17.11.06




الإسلام اليوم: المفهوم غير المفهوم


يمثل "الإسلام" ـ كمفهوم ديني من حيث الدلالة اللغوية التي تأخذ اشتقاقاتها من اللغة السريانية وصولا إلى اللغة العربية ـ مفهوما إشكاليا باطنيا، ذلك أن مفهوم الإسلام، يفهم على وجهين،كوجهي العملة: ظاهري وباطني. الجانب الظاهري، وهو ما فسر لغويا- دينيا على أنه "التسليم بالقدرة الإلهية" و كذا "السلام" أو "الاستسلام" ومنه: الإيمان بالله الواحد الأحد وبالنبي محمد (ص) خاتما لسلسلة الأنبياء والرسل.
الجانب الباطني: وهو ما يهمنا في هذه المقاربة: هو التسليم بوحدانية الخالق والخضوع لإرادته خضوعا مطلقا. أي أن "المفهوم" لا يشترط إلا أن تؤمن بالله الواحد الأوحد، أي أن تؤمن بمبدأ التوحيد، أي، دون الاشراك بالله "شيئا" أو "كائنا". معنى هذا، أن كل من "أسلم نفسه إلى الله" (آمن ووحد)، فهو "مسلم"!، وعليه، فإنه يمكن اعتبار كل معتنقي الديانات السماوية من الموحدين، "مسلمين"! (ما لم يشركوا بالله شيئا!)، من بينهم "النصارى واليهود"..والآيات التي وردت في القرآن الكريم ـ وهي كثيرة ـ تفيد هذا المعنى: "إن الدين عند الله الإسلام" ، أو كما جاء على لسان


النبي يعقوب (ع) لبنيه(الأسباط الـ12): "فلاتموتن إلا وأنتم مسلمون" (وكذا على لسان إبراهيم (ع): "إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين" (وقال عز وجل: "بلي من أسلم وجهه لله وهو محسن.."
فالإسلام معناه الباطني: الخضوع والتسليم بوحدانية المعبود الخالق دون غيره واتباع أوامره ونواهيه ظاهرا وخفية..أي في السير وفي العلن، باعتبار "التسليم" إيمان..والإيمان مقرون بالممارسة: ما "تصدقه الجوارح". هذا ما نجده لدى الكثير من علماء المسلمين، لاسيما فقهاء الباطن وحتى بعض التيارات الإسلامية، الفلسفية كالمعتزلة وإخوان الصفا وغيرهم. *

هكذا نجد الشهرستاني يدخل ضمن "المسلمين" من أتباع النبي محمد(ص) في الفرقة الناجية، لاسيما وان يربط "التطور" والنضوج العقلي بالتطور والنضوج التاريخي، عندما يقف عند حدود الحديث النبوي الشريف على معنى "الإسلام ومعنى" "الإيمان"، ليقف نفس موقف المتصوفة من السلم



ـــــــــ
*يمكن الاطلاع على ما قاله ابن حزم من "الفصل في الملل والأهواء والنحل".

الثلاثي الدرج: "الإسلام، الإيمان، الإحسان".
فالإسلام هو التوحيد والإيمان بالأنبياء والرسل على أنهم "رسل الله" ـ كما تدل عليه أركان الإسلام الخمسة،وهي نفس الأركان الموجودة في
الديانات السماوية: شهادة التوحيد بالله وبالنبي المرسل، الصلاة، الزكاة، الصوم والحج-حسب الاستطاعةـ أما الإيمان، فهو الدرجة التطورية الثانية بعد "الإسلام" لأن الإيمان يقتضي أن تجسد الحواس ما يؤمن به القلب. وعليه، يقول الحديث في معرض إجابة النبي محمد على "الأعرابي (جبريل): الإيمان أن تؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره.."أن تؤمن بالله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فهو يراك".
ولهذا تؤكد الآية: "وقالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم" وعبارة "لما" تفيد: "ليس بعد أي بعدا تطوريا أو سيرورة زمنية.

1/ الإسلام ولائكية "الدين-الدنيا"

بناء على الرأي "التطوري" الذي حدد المعالم الكبرى لتطور العقل البشري منذ ظهور الإنسان العاقل Homo-sapiens-أو "الآدمي" –نسبة إلى "آدم"-*، فإن "الإسلام المحمدي" يكون أسمى دين وأعلاه مرتبة في سلم "الارتقاء" النوعي والعقلي وذلك بحكم التطور التاريخي وتراكم
ــــ
* آدم: مشتق لغويا من الأدم..أي الجلد الذي لا يكسوه شعر.يمكن العودة إلى:محمد شحرور:الكتاب والقرآن.دار الأهالي,ط7. دمشق1997.

التجارب التي هي تراكم للعقل بحد ذاته.
فالتوحيد مبدئي، والشرك عرضي، أي "ممارساتي" يخضع البشر * للممارسة للحياة اليومية " المادية- الدنيوية" كمحك وصقل وتجريب "واختبار" (الابتلاء): "لنبلوكم أيكم أحسن عملا" .المحك الأساسي ، هو محك في شكل رحى حجرية ذات الفكين: فك علوي وفك آخر سفلي، بينهما تخضع البذور للطحن "والرحي". بموجبه تطحن ليصبح "دقيقا" خفيفا، رفيعا أو لتبقى "حبة"، بذرة دون نتيجة.
مفهوم "الارتقاء" و "التسامي" و "الهبوط" والتدني، مفاهيم تكرس التطورية في كل الأديان السماوية بما فيها، وأكثرها: "الإسلام المحمدي"، الذي يأتي كدين وتعاليم لا كممارسات ! (فالفروق شاسعة بين "الديانة الموسوية" التي هي "اليهودية" ( من أتباع يهوذا) وبين "اليهود"، كما الفرق شاسع بين "المسيح" (ع) و"المسيحيين".
وكما هو البون شاسع أيضا بين "الإسلام" و "المسلمين"، ففي كل هذه المحطات، وخلال الفترات التي تخللتهما زمنيا ومكانيا، كان الرسل والأنبياء (وهم كثر) : "منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك" (، هم من يتكلفون بوحي من الله عن طريق رسله من الملائكة (جبرائيل عليه السلام) بإعادة الناس إلى طريق الارتقاء بعد أن
ـــــــــ
* البشر، وعلى عكس "الأدمي"، هو ذلك المخلوق الذي يكسو جلده الشعر، أي تلك الكائنات غير المتطورة عقليا التي تسمى سوسيولوجيا "بالقطيع الحيواني". ينظر نفس المرجع السابق...


أغرتهم وأغوتهم "شهوات المادة" التي هي " بين الشيطان" في الابتعاد عن
طريق التسامي نحو المراتب السماوية العليا لصالح "الحياة الدنيا" التي ليست سوى "دار غرور": " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" "الإسلام" إذن معناه "التوحيد" والخضوع الذي يرادف في اللغة الفرنسية لفظة (la soumission)، حتى نرى "إبليس" قد طرد من الجنة، أي من "رحمة الله"-الرحمة، التي تفيد المحبة والحفظ وكل مكونات "الحب" الإلهي- فقط لأنه رفض السجود لمخلوق جديد اسمه "آدم"- وترابي المنشأ والمنبت-أي رفض الخضوع والتسليم، وعليه فقد كان "إبليس" خارجا عن طاعة الله، غير خاضع (insoumis ) نزعت عنه "الرحمة" وبسطت عليه "اللعنة" إلى يوم الدين (يوم الحساب النهائي).
هناك إذن، وفي كل الديانات السماوية مستويين اثنين لعمل "الدين": المفهوم العقائدي الفكري، والمفهوم "الممارساتي" أي "العملي". هذا الفرق ما بين المستويين الذي تتحكم فيه "الأهواء" والإنية الفردية-الجماعية" (l’égocentrisme)، هو ما يجعلنا نرى ذلك التصادم والتضاد و"الشيزوفرينيا" الدينية، المتجسدة في التضاد ما بين "الفكر والعمل"، أي ما بين الفكرة الإيمانية العقائدية وما بين ضرورة تطبيق تلك التعاليم في الواقع اليومي، مشكلة سبه "لائكية" غير إرادية أحيانا بين "الدين"



و"الدنيا": الدين الذي يدعو إلى "العلو" والدنيا التي تدعو إلى "التدني" (الهبوط)*
ضمن هذا السياق، تدخل كل الممارسات "الدنيوية" (المشروعة دينيا وغير المشروعة، أي "المحرمة" ) ضمن سياق البحوث السوسيولوجية والأنثربولوجية وكذا باقي العلوم الإنسانية الأخرى التي تجعل من مجال ممارسات البشر وأعمالهم وأساليب عيشهم، فضاء لأبحاثها ،كما هو الشأن مع هذا البحث .
فعلى كل الامتدادات المذهبية الدينية في الإسلام المحمدي، هناك هذه المعادلة الصعبة بين الإسلام والإيمان التي تؤدي إلى "الإحسان".
تبدأ هذه المؤشرات من النص القرآني الصريح، حيث لا نكاد نجد آية واحدة لا تربط الإيمان "بالعمل الصالح": "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" هذه الآية نجدها كثيرا ما تكرر حتى أننا نجد الحديث النبوي يؤكدها في معادلة واحدة محددة وفاصلة : "الدين المعاملة".

ــــــــــــ
*نشير هنا إلى أن "الهبوط" هو غير "النزول" أو "الإنزال" أو "التنزيل"، فهي مصطلحات متفاوتة في الدلالة، وفي المعنى، ذلك أن الهبوط يفيد التدني في المستوى الخلقي والأخلاقي أي "التقهقر المضاد للسمو أو التسامي أو "الارتقاء".



ولأن "الدين هو المعاملة"، فإن هذه المعاملة هي التي تحدد طبيعة ودرجة "التدين"، أي "القرب من التعاليم الأصيلة للدين..كيفما كان هذا الدين. وعليه، كان من المهم أن نشير إلى هدا الفارق الجوهري بين ماهو "ديني" سامي متعالي وما بين ما هو "دنيوي" زمني خاضع "للأنا" وللتذوق والفهم "الإني" لهذه التعاليم الدينية العليا.

2/ الإسلام والسياسة: المحددات غير المحددة

لم يربط أي دين سماوي "بالسياسة" كما ربط "الإسلام المحمدي"، وذلك لسبب بسيط- معقد في آن واحد: الإسلام المحمدي قد أنتج نظاما "سياسيا" وأسس "لدولة" إسلامية خلال الخلافة الراشدية ولكن الأكثر إثارة، أنه أسس لمشروع نظام حكم، ولو أن هذا النظام سيعرف تغيرا وتحويلا في مساره بسبب "الممارسة" التي تحدثنا عنها سابقا، أي سبب تلك النزعة "التجريبية" للأداء الاجتماعي تحت مظلة "الدين"، نقصد بذلك، ما سمي بـ "الخلافة الأموية والعباسية" وحتى "الخلافة العثمانية" فيما بعد. سوف نلاحظ هشاشة المعادلة الثنائية "الدين المعاملة" (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) عقب انتهاء "النبوة"، وبصفة أكبر بعد انتهاء عهد الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" (ض) مغتالا بعد اغتيال الخليفة الثاني "عمر بن الخطاب" (ض) كما ينتهي الخليفة الرابع "علي بن أبي طالب"هو الآخر مغتالا: ثلاثة خلفاء يغتالون من بين الأربعة (ينتهي العهد الراشدي على أيام "علي بن أبي طالب" لصالح "الإسلام الدنيوي".
الملاحظ هنا أن "الغلبة" الزمنية كانت للأقوى-وهو قانون موضوعي والقوة هنا، هي قوة "العقل" البشري بما يملك من إمكانية الالتفاف والزيغ والمناورة التي تبيحها "السياسة" الشيء الذي لا تؤمنه ولا تؤمن به التعاليم "الدينية" العليا التي تبني معاملاتها وتعاملاتها على أساس "الأخلاق" والقيم النبيلة العليا!! وبذلك تكون كما يقال قد تغلب "السلطان على القرآن".
السياسة إذن في منظور الدين الإسلامي المحمدي، هي فن "الممكن" ولكن ليس بكل شيء ممكن!!
لقد وجدنا أيضا لدى اليهود في سفر يشوع، أي بعد خلافة "يشوع" للنبي موسى (ع) تلك النزعة نحو تأسيس "نظام حكم" أو "دولة" "لشعب الله المختار" على "الأرض الموعودة"، ويمكن ملاحظة نتائج هذه النزعة الإنسانية لدى الاستيلاء على أرض وبلاد ".. الكنعانيين والحثيين والحويين والفرزيين واليبوسيين والجرجاشيين و والأموريين " لاسيما محاصرة وتدمير "أريحا" وإبادة سكانها بنص توراتي صريح:
( الأصحاح 6،7،8..) نفس الشيء نراه مع الامتدادات الاستعمارية الرومانية – البيزنطية (والحرب الصليبية أحسن مثال على ذلك )

3/ الخلافة والإمامة: إشكالية القراءة .

لعل جوهر الخلاف "السياسي العقائدي في الإسلام يكمن في هذه المعادلة: الإمامة الخلافة.
الأديبات الإسلامية في هذا الشأن تجمع على أن الخلاف السني الشيعي يكمن في الولاء .. والولاء هو الجوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم .. بل إنه أساس "الحاكمية". هذه الأخيرة التي كانت من جهة ثم الشيعة والخوارج من جهة ثانية وانتهاء بالصراع الخارجي الأموي في نهاية المطاف... وكل هذه الصراعات والنزاعات انبنت أساسا على مفهوم "الحاكمية".
فالحاكمية (لله أو للخلفية أو لجمهور الأمة أي الشورى) هي صلب وجوهر الخلاف للقراءة النصية والسيرتية للخلفاء والراشدين ومن بعدهم.
لم تكن الإمامة في الواقع معارضة للخلافة، غير أن الاستعمال "الكلي" والإديولوجي للمفهومين، حولها عن مسارهما الاشتقاقي. فالإمامة والخلافة يكادان يكونان مترادفين: خلافة رسول الله (من بعده).. والخلافة تفيد الإمامة أيضا .. معنى ذلك أن الخليفة هو الإمام ؟
غير أن الشرط الذي ارتبط لدى الشيعة مثلا هو شرط "الولاء" لآل البيت إضافة إلى شرط آخر يكاد يكون وجيها وهو" العصمة " للإمام (الخليفة). هذه المسألة نجدها مطابقة لمفهوم" الإمام العادل" أو "العدل" أو "الخليفة الراشد" (في الحكم الراشد)، وهنا تعود بنا المسألة إلى ما تحدثنا عنه سابقا في أن" الممارسة" للدين هي من "يحدد وجهة التدين". ومعنى هذا أن الحراك الاجتماعي (المتغير) هو الذي يحيي "الثابت" على التحول والتغير أيضا، مما يعني أن الثابت في الدين "نسبي" نوجزه في "الكتاب" و"السنة" (كتاب الله وعترة أهل بيتي.. (الحديث): نسبي لأن في هذا الكتاب" الذي هو القرآن الكريم ثابت كنص مقدس لا يمسه التغيير ولا التحوير اللفظي (إنا نزلنا الذكر وأنا له لحافظون .. (الآية). لكن كقراءة، هناك" المتغير في الثابت"، بمعنى أن القراءة والتأويل لا تفترض ثباتا مطلقا لمعنى النص، مما يوحي أن "الثابت"، ثابت نسبي والمطلق، مطلق نسبي، يعتمد على المعاني الجديدة والدلالات الجديدة التي يفترض التطور الاجتماعي والعلمي(شقيه المادي والروحي) أن يكتشفه ويبرزه.
من هذا المنطلق نقول، أن مسألة "الثابت" والمتحول في الإسلام، قابلة للنقاش، بل هي أصل النقاش حول موضوع الإمامة والخلافة وحول "المقدس المدنس" وحول السلطة والدين وحول القرآن والسلطان كما سمته الأدبيات السياسية الإسلامية.
نحن أمام إشكالية منهج لقراءة النص المقدس الذي هو القرآن الكريم، كما نحن أمام إشكال منهجي تاريخي لقراءة "السيرة النبوية" والأحاديث الشريفة... على الرغم من العبقرية الكبيرة والجهد "العلمي المنهجي" الذي اعتمده الرواة في جمع الأحاديث والتفصيل الدقيق في التمييز بين الأحاديث بين ضعيف وصحيح ومرسل وموقوف وموضوع عمل في غاية الدقة، إلا أن ها لا يبرر وجود فجوات من خلال قراءتها السوسيولوجية للتاريخ الإسلامي، لاسيما خلال الحقبتين، الأموية العباسية التي ظهر فيها الوضع بشكل ممنهج في الدواوين الأموية وفي الطرف الآخر من المعادلة أيضاـ ولو أننا لا نملك اليوم القدرة على الفصل العلمي الدقيق في هذه المسألة من خلال "ميكروـ سوسيولوجيا" أو "أنثروبولوجيا التدوين"لأننا لا نملك المفاتح المنهجية لذلك، لكن القراءة السوسيوـ أنثروبولوجية للتاريخ الإسلامي خلال هذه الفترة، تفيد بهذا الاحتمال وبوجود مثل هذه الفرضيات.
نحن إذن أمام إشكالية منهجية: اعتماد المصادر التاريخية الإسلامية الكثيرة والكثيرة جدا ، المتعارضة أحيانا، لاسيما المصادر الشيعية، بالمقارنة مع المصادر السنية وهذا في تحديد المفاهيم وتحديد المبنى والمعنى لكل مفهوم بما في ذلك مفهومي الإمامة والخلافة. وحتى وإن افترضنا إمكانية ذلك، يبقى الإشكال مطروحا، لأننا نتعامل مع مفاهيم متحركة غير ثابتة، تعتمد أساسا على القراءة الذاتية المذهبية وأحيانا على الذاتية – الفردية المتمثلة في "المراجع" وأن كانت عادة، إن لم نقل – دوما – ما تشير إلى أن المرجع واحد..
الإسلام إذن هو حراك اجتماعي. هذا الحراك يفترض حراكا مفاهيميا يواكبه ويساره، و خلال هذا الحراك تبرز إلى الوجود "الحركات" الجانبية – التي نسميها هامشية أو خارجية أو معارضة بالمفهوم الحديث ـ والذي تريد أن تمتلك أدوات الانتفاع من هذا الحراك لاعتبارات "وظيفية" أساسا: ظاهرها نصرة المذهب أو الدين ككل، وباطنها هوياتيه مطلبية أي طبقية ...
إننا في الواقع أمام تحد صعب لحل معضلة: "الديني – الاجتماعي" في حل مشكلة "الديني – السياسي " ، لأن "الاجتماعي"، المرتبط بالممارسة هو من يضع "الديني" ومن يوجهه، ليأتي السياسي ليستغله لخدمة مصلحة أو فئة أو قضية أو أمة أو حالة ما ..
وهنا يدخل الدين في أتون الهوية الفردية المبينة على الآنية والمركزية التي منها تنطلق كل المصالح وكل القراءات وكل التآويل.

درة عب اليبوم القدرة عبلى بلى وفي الطرف اللآخر من المعدلة خ الإسلامي، لاشيء خلال القضيتين الأموية العباسية ةالتي ظهر فيها





25.4.06



جوهرة المسائل في "خاتمة كتاب الرسائل لأهل الوسائل"
قراءة في مفهوم"أبناء القلب"وأفضليتهم على"أبناء الصلب" لدى الشيخ سيدي عدة بن غلام الله


د. عمار يزلي
قسم علم الاجتماع
جامعة وهران



لعل أهم شيئ يتعلق به الإنسان "هذا الكائن الاجتماعي" ـ بلغة فلسفة الاجتماع ـ هو "النسب" و "الانتماء" (Le lien et l’appartenance)، في تحديد هويته الفردية والجماعية. وعلى هذا الأساس، تشكلت الروابط والأنسجة الاجتماعية:أسرية كانت أم عرقية قبلية. وعلى هذا الأساس أيضا بنى الفرد كيانه الاجتماعي:الأسرة، العشيرة والسلالة قبل أن يعطيها في كثير من الأحايين تلك القداسة المشار إليها في القرآن الكريم:" ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر.."(التكاثر/1/2)، الآية التي وردت في حق تفاخر بني سهم وبني عبد مناف أيهم أكثر عددا
[1]، وأحيانا أكثر تطرفا ـ حتى لا نقول " أكثر سذاجة" ـحين تمثلت الكثير من السلالات لجد أول في شكل حيوان أو نبات أو جماد، وهو ما ننعته بالفكر الطوطمي..
اهتمام الإنسان بالنسب، مرتبط أيضا بمفهوم "الحسب"، أي: المكانة الاجتماعية التي عادة ما تكون مادية، حتى أن النسب لم يعد ينفصل عن مفهوم الحسب. يتراءى لنا ذلك في محاولة ربط علاقة قرابة جديدة عن طريق المصاهرة عندما نتحدث عن "بنت الحسب والنسب".
النسب والانتساب، مفهومان مختلفان بحكم أن الانتساب يعني دلالة فعل الارتباط الفعلي أو المفتعل. وهذا معناه أن هناك "المنتسب" أو اللصيق (المسمى أيضا في العربية :اللزيق") إلى النسب دون أن يعني ذلك أن ذلك نسبه الفعلي. هذا ما نجده متداولا بكثير من الإصرار أحيانا في نزعة الارتباط بنسب معين (النسب الشريف أساسا)،في المدونات التاريخية والأدبية لبيوتات أو لسلاطين وأمراء عربا وبرابرة وأعاجم. نذكر من بينهم على سبيل الحصر المهدي بن تومرت وعبد المؤمن بن علي الذين اجتهدوا في تدوين أسمائهم ضمن الشجرة الشريفة لآل البيت.
النسب الحقيقي لدى الشيخ سيدي عدة، هو النسب الروحي .. نسب القلب..أما النسب الدموي المشار إليه "بالنسب الطيني"، أي المادي الترابي: ("..ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين".. المؤمنون/ 12..."كلكم من آدم وآدم من تراب" ..الحديث..)،فهو نسب أرضي .. عرضي..زائل..وغير دقيق وغير تام..
1/لا نسب إلا نسب القلب
الشيخ سيدي عدة، مثله مثل باقي أهل السلسة العرفانية، إنما يتحدث عن النسب من منظور باطني. فهو بهذه المعادلة يلتقي مع المعادلة الربانية في وصف النسب الطيني لدى ابن سيدنا نوح عليه السلام بأنه "عمل غير صالح":".. ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وأن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعضك أن تكون من الجاهلين"..(هود/ 44/45)، مما يفيد أن النسب الحقيقي هو النسب الروحي.. "نسب القلب" الذي ينتج عن زواج أثيري روحي متعال بين قلب المريد وقلب الشيخ فقلوب المشايخ في السلسة الصفوة.وعليه، فمسألة احترام المريد للشيخ وتقديره والذوبان في محبته والإخلاص له من المسائل المحسومة في الفكر التصوفي بشكل عام، على أنه لا يمكن أن تتصوف بدون شيخ مرشد
[2]. الشيخ سيدي عدة، كثيرا ما نجده يؤسس لهذا الجانب الأساسي في نسج الرابطة القلبية بين أتباع الطريقة الواحدة أو ما بين الطرق المختلفة التي كلها تمثل الطريق إلى الله.
الرضاعة المادية، معروف عنها أنها من المسائل الأساسية في ربط تلك العلاقة النموذجية في المحبة: الأمومة. فالرضاعة مع التربية تتمم فعل الولادة.. والولادة بدون رضاعة وبدون تربية تفقد الوالدة أمومتها فيما تحتفظ فقط بالجانب الوضعي :الولادة. كما أن الوالد قد يفقد خاصية الأبوة إذا ما فقد العلاقة مع مولوده التي هي علاقة التربية، وعلى هذا الأساس ينبغي أن نفرق بين الأم والوالدة من جهة والوالد والأب من جهة ثانية!
[3]
الرضاعة لدى الشيخ سيدي عدة بن غلام الله، رضاعة نورانية متعالية لطيفة نقية من شوائب الرضاعة المادية والمورثات البيولوجية والحسية. نقرأ عنده في هذا الصدد ما يلي:"..فهم (المشايخ أجمعين) رضي الله عنهم كالأشبال عند أمهم، كل واحد يرضع ما قدر له، ولم ينقص رضيع لأخيه، فيمد الرب الكريم أبا القلب بمادته النورانية حتى ولو كانت آلاف الألوف من أهل البدايات يتكلم لهم بعلم البدايات ، ولو كانت آلاف الألوف من أهل النهايات يتكلم لهم بذلك ولا يكل"[4].
يركز الشيخ سيدي عدة،على النسب القلبي باعتباره أساس استمرار المحبة الروحية والتفاني فيها، ذلك أنه يرى أن المحبة المطلقة بين الشيخ والمريد هي ولادة ثانية، بل الولادة الحقيقة والأولى، لأنها ناتجة عن فتح القلب وليس عن عمل الصلب..
الحب والمحبة القرابية الدموية (الطينية)، تبقى محبة مبنية على المصلحة وإن داخلها الجانب العاطفي الحسي إلا أن المادية تطغى على العاطفة المطلقة إذا لم يكن الحب حبا روحيا أساسه النسب القلبي..المحبة الدموية الطينية محبة، لكنها لا ترقى إلى حدود المحبة الطلقة التي نجدها في الفلسفة اليونانية كثيرا ما يشار إليها بالحب الأفلاطوني .. أي الحب المثالي..غير المادي المتعالي عن المصلحة المادية الآنية أو الظرفية..
المحبة الطينية لا يمكنها أن تتجرد من الملموس إلى المحسوس وتتلاشى في هذا الأخير لتذوب فيه وتمحي آثار الملموس محوا تاما. فحتى محبة الوالدين مرتبطة بالمصلحة:الطفل يبكي على أمه الغائبة أو المتوفاة لأنه بحاجة إليها..والطفل عندما يصير رجلا مستقلا..كثيرا ما تقل حرارة رابطة الأم لأنه لم يعد يشعر بمصلحة تجاهها..!على عكس ذلك، تبقى المحبة الروحية محبة مطلقة لأنه لا مصلحة ولا طائل ولا نية ولا قصد من ورائها ولا رجاء..ولا خشية..وهو الحب عند رابعة العدوية في وصفها لطبيعة الحب الإلهي!
2/ صلة القلب ولقب الصلة
"ابن القلب"،يربطه رابط القلب بأبيه.. والقلب هنا يقصد به تلك المضغة التي إذا صلحت صلح الجسم كله..والتي لا تتوقف لحظة عن النبض دلالة على الحياة وعلى الحركة..لهذا سميت قلبا، فقلب الشيء في اللغة العربية هو أهم شيء في الشيء!. لهذا ترى الشيخ سيدي عدة يستعمل هذه المعادلة التقريبية لإفهام العامة فهم الخاصة.
الشيخ سيدي عدة، عندما يتحدث عن هذه العلاقة بين القلب والروح..يحيلنا إلى إبراز ما أبرزه علماء المادة أنفسهم عندما ربطوا القلب بالدماغ..وبالإشعاعات التي يصدرها كل من القلب والدماغ.
فلقد أثبت العلماء أن منطقة القلب المسماة "Heart chakra "، أي "الهالة القلبية"تولد 12 إشعاعا بلون أصفر ذهبي متألق،حيث تأتي قوة التألق الهالية النورانية هذه مباشرة بعد هالة المركز الإكليلي أو التاجي "Crown chakra" الموجودة في قمة الرأس، حيث تتألق بشدة ، إذ يبلغ عدد إشعاعاتها 960 إشعاعا يغلب عليها اللون البنفسجي، وفي مركزه 12 إشعاعا تتألق بلون ذهبي خاطف، وقد رسمه الأقدمون على شكل هالة ذهبية مشرقة تحيط برؤوس القديسين. هذا المركز وثيق الصلة بالغدة الصنوبرية وهي نقطة الاتصال بين الروح والجسد ..
[5]
فحديث الشيخ سيدي عدة عن أبناء القلب،مرتبط بحديثه عن ارتحال الشهوات الحسية والمعنوية عن النفس. فهو يربط فتح القلب ببنوة القلب..وفتح القلب لاستقبال "الوهبية" شرطه تطهير النفس وترقيتها من أدناها:النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة إلى النفس المطمئنة..وشرط ذلك المحبة والذوبان في الواحد عن طريق السلسة الطاهرة من نسب القلب.
لهذا، فإن بنوة القلب وأفضليته عن بنوة الصلب، أراها عنصرا محوريا في فكر الشيخ سيدي عدة بن غلام الله الفكرية والتصوفية، بل وعنصرا مؤسسا لكل العناصر التابعة أو الفلكية الأخرى.
3/ نسب البشرية وحسب الروحانية
فالتوفيق لتحصيل الوهبة الإلهية،والتي هي في الإنسان ومنه وله بتعبير سيدي عدة،قوامها تحرر الروح من سجن الجسد وقفص المادة المعيق لحركية التجريد والانطلاقة ورؤية ما وراء المرآة بعد "حكها" ـ كما يقول بعض شيوخ الصوفية رضوان الله عليهم ـ هذا التحرر،الذي بإمكانه وحده فهم معنى علاقة الشريعة بالحقيقة وفهم أسس العلوم اللدنية وعلاقته بالعلوم الكسبية.
في هذا السياق،يعترف الشيخ سيدي عدة بن غلام الله بأن المادية الفزيولوجية غالبة على الطبع البشري و القاعدة هي التوفيق بين الروحانية والمادية وليس تغليب إحداهما على الأخرى.فهو يقول في هذا الصدد:"..اعلم أن البشرية غالبة على أي حال وأن الوقت وقتها والبلاد وبلادها (يربط الوقت بالبلاد أي الزمن بالمكان ويقصد به زمن الاحتلال الفرنسي للجزائر باعتباره كان قاضيا ومشرفا على جمع الزكاة لدى الأمير عبد القادر)..وصاحب الوقت غائب وصاحب البلاد مسموع له وإن كان في غاية البغض.. قلّ من يسمع له وإن كان في غاية الحب كما هو مشهود مرئي إلا من كانت القدرة حاكمة له بملك أهل البلاد وسبقت سعادته فيسري كالماء بين الأغصان شيئا فشيئا وهو يزيد قوة وغيره يزيد ضعفا حتى يفنى حبه منهم وينطبع حبه في غيرهم يجدهم طوع يده. فهذا معنى البشرية مع الروحانية"
[6].
أبناء القلب هنا، هم أتباع الطريقة التي تربطهم صلة المودة وصلة الروح، أو ما نعبر عنها بالتعبير الأنثروبولوجي "سلطة المقدس"، ذلك أن "سلطة" الشيخ على أتباعه ومريديه(ونستعمل هنا عبارة "سلطة" بصياغة مجازية ذات دلالة تختلف عن مفهوم "السلطة" الوضعي)،هي "سلطة" أساسها الإخلاص في المحبة والتفاني في المحبوب:محبة بذاتها لذاتها في ذاتها، محبة خالصة لا رجاء فيها ولا خوف، عكسها في "محبة" السلطان، التي أساسها الخوف والرجاء والخضوع والانصياع وأحيانا التزلف والتملق والمواراة. وعليه، فإن بنوة القلب هي صادق النسب وحقيقة الحسب وهي الأصل وهي الصلة الفصل، بينما لا تمثل بنوة الصلب سوى مجرد بنوة بقوة الفعل أي تحصيل حاصل شكلي لصلة شكلية.. وهذا ما حاول الشيخ سيدي عدة التركيز عليه، بل والتأسيس عليه لفكرة المحبة المطلقة والنسب الشريف..فالشريف بصالح الأعمال لا بالنسب الطيني أو الانتساب إليه دمويا ومناصبته العداء قولا وعملا..
هكذا كنا كثيرا ما نجد شيوخ التصوف في حالات خاصة لا يفضلون رؤية أحد من غير أبناء القلب، والأكثر قربا منهم، مفضلينهم حتى على أبناء الصلب..باعتبار أن الصلة بينهم هي صلة أرضية ترابية طينية بينما الصلة بينهم وبين ابن القلب صلة روحية متعالية.
4/ القرابة النورانية..وعصبية الأنانية
هكذا نجد، نفس التوجه لدى الأنبياء والرسل عندما يختصون بصاحب مقرب ، أو تسميه الطائفة الشيعية بالوصي، قد يكون من قرابة طينية ـ روحية وقد يكون من قرابة روحية فقط.
النسب الروحي، لدى الأنبياء والرسل وأولياء الله الصالحين،ومنهم الشيخ سيدي عدة، هو من صميم الحقيقة التي لا تنفصل عن الشريعة، ومن صميم علم الباطن الذي لا ينفصل عن علم الظاهر .في هذا السياق نجد أبو القاسم القشيري يقول:" الشريعة من غير الحقيقة عاطلة والحقيقة من غير شريعة باطلة"، بينما نجد الإمام مالك يقول في نفس التوجه:"من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق"
[7].
هكذا كان صحابة النبي (ص) وعلى رأسهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من خلال الأحاديث الكثيرة المروية عنه صلى الله عليه وسلم (حديث يوم الدار، حديث المنزلة،حديث غدير خم)، وهكذا كان حواريو النبي عيسى عليه السلام الإحدى عشر وعلى رأسهم بولس الرسول حسب الأناجيل الأربعة، وهكذا كان الأحبار الأوائل عند سيدنا موسى وعلى رأسهم "ابن أمه".. هارون، قبل أن يتمدى الأتباع..إلا ما رحم ربي..
هكذا، نجد المسيح عليه السلام، وهو النبي الذي لا أب طيني له..المتعالي في الروحانية، نجده في الأناجيل ، يرد على أتباعه عندما جاءت أمه واخوته لرؤيته:"هؤلاء هم أمي واخوتي..وأشار بيده إلى تلامذته" حسب إنجيلي لوقا ومرقس.
النسب الروحي، ليست مسألة جديدة لدى أهل التصوف والعرفانيين بشكل عام، غير أن الصيغة التي اعتمدها الشيخ سيدي عدة والمعادلة التفضيلية المؤسسة على البينة، واعتمادها حجرة الزاوية في أية طريقة إلى الله،هي التي دفعتنا إلى التركيز على هذه النقطة بالذات وتتبع أصولها وفصولها في جزء من مكونات الفكر الصوفي بشكل عام.
هكذا أراد الشيخ سيدي عدة بن غلام الله لنا ولمريديه وأتباع الطريقة البوعبدلية.. نسبة إلى هذا "العبيد" كما كان يلقب نفسه تأدبا مع الله وتحقيرا للنفس وتواضعا أمام الله وأمام المشايخ أهل الوسيلة.. هكذا أراد أن يوضح لنا معنى الرابطة الروحية وعلاقة القرابة الحقيقة التي تسمو على كل أشكال القرابات الفزيولوجية التي قسمت الناس إلى أسر وبيوتات وعشائر وقبائل وسلالات..متصارعة متحاربة أحيانا باسم الرابطة الدموية وباسم النسب .. التي بنى عليها بان خلدون كل نظريته في الحراك الاجتماعي ..باختصار..عصبية النسب الطيني..عصبية أبناء الصلب..
ـــــــــــــ







المراجع:
1/ القرآن الكريم.
2/ الإنجيل (العهد الجديد).
3/سيدي عدة بن غلام الله: خاتمة كتاب الرسائل لأهل الوسائل .منشور أشغال الملتقى الأول حول الشيخ سيدي عدة بن غلام الله وآثاره في الفكر والتصوف.طبع جمعية افكر والثقافة بتيارت. 1999.
4/ بن عباس: تنوير المقياس في تفسير بن عباس. المكتبة التجارية الكبرى / مصر. 1971,
5/ صلاح مؤيد:الطرق الصوفية والزوايا بالجزائر: تاريخها ونشاطها.دار البراق/ لبنان. ج1. / 2002.
6/ د. محمد شحرور:الإسلام والإيمان.منظومة القيم.دار الهلال . دمشق.1996. 7/ د. رؤوف عبيد: الإنسان روح لا جسد.ج/2. ط2/ دار الفكر العربي. القاهرة.1966.
[1] يذكر بن عباس أن بني سهم قالوا:"أهلكنا البغي في الجاهلية فعدوا أحياءنا وأحياءكم وأمواتنا وأمواتكم، ففعلوا فكثرهم بنو سهم
ينظر: تنوير القياس من تفسير بن عباس:المكتبة التجارية الكبرى . مصر. 1960.ص: 390
[2] هناك مثل شعبي يقول:" اللي در شيخه مزود غير يروح يرقد" أي أنه من اختار أن يكون شيخه مزودا أي كيسا.. فمن الأحسن أن يذهب لينام أي لا داعي لكي يفكر أن يكون متصوفا!
[3] لمزيد من التفصيل، يمكن العودة إلى : د. محمد شحرور:الإسلام والإيمان: منظومة القيم. دار الأهالي . دمشق. 1996, ص:267
[4] أشغال الملتقى الأول حول الشيخ سيدي عدة بن غلام الله وآثاره في الفكر والتصوف: جمعية الفكر والثقافة. تيارت.1999. ص: 120
[5] د. رؤوف عبيد: الإنسان روح لا جسد. ج1/ط2/ دار الفكر العربي/ القاهرة. 1966. ص: 455
[6] أشغال الملتقى حول الشيخ سيدي عدة بن غلام الله. سبق ذكره. ص:148
[7] صلاح مؤيد:الطرق الصوفية والزوايا بالجزائر: تاريخها ونشاطها. دار البراق/ لبنان. ج1,2002.ص:11

سلوك العنف من عنف السلوك
مقاربة من مفهوم " الخشونة" الثقافية في الجزائر

د. عمار يزلي
قسم علم الاجتماع
جامعة وهران




البحث في أصول العنف كممارسة اجتماعية وسياسية، يقتضي البحث أ ولا في : المشتلة: الثقافية ـ الاجتماعية والاقتصادية (نمط الانتاج) الذي أوجد هذه التربة الصالحة لنمو وانتشار هذا السلوك وتلك الممارسة.
ولأننا بحاجة إلى توضيح صريح بشأن العوامل التي تدفع إلى" امتهان " العنف كوسيلة لتحقيق أغراض مادية أو رمزية، أو لتحقيق وإشباع حاجة مادية، فإننا ننزع إلى اعتبار العامل المادي عاملا مهما ، إن لم يكن محددا وأساسيا في توسيع دائرة انتشار العنف، تنضاف إليه مجموعة من العوامل التي إما أن تتبعها أو تسايرها وتوازيها: الفقر، البطالة، تفكك الأسرة والحرمان العاطفي، الانحلال الخلقي والتدمير الاقتصادي (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في بحث ميداني بولاية وهران، أجري سنة 2003 ، اتضح أن 40% من حالات جنوح الآحداث، تشكو اليتم الأسري (تفكك الأسرة) وأن 68% منهم يسكنون بيوتا مكونة من أقل أو تساوي 3 غرف بمعدل 7 إلى 10 أفراد في المسكن الواحد. كما اتضح أن –(65,33% من آباء العينة المأخوذ من 3 مراكز لإعادة التربية بوهران يفتقدون إلى عمل أو يعملون بشكل مؤقت وأن 47,98% من الآباء يعملون لكن بدخل ضعيف.
وفقي وفاء:عوامل جنوح الأحداث (دراسة ميدانية في مراكز إعادة التربية بولاية وهران). رسالة ماجستير في علم الاجتماع التربوي. قسم علم الاجتماع . جامعة وهران 2002 ـ 2003

غير أننا بعد هذا التوضيح المنهجي، لا ينبغي أن نقر بأن هذه العوامل وحدها كافية لتحريك هذه الآلة الاجتماعية. " القابلية والاستعداد الفطري والثقافي والبيئي التنشئوي" (وحتى البيولوجي: وعليه فإننا لا نرفض ولا نعمم في نفس الوقت نظرية لمبروزو حول الإجرام)،تمثل المشتلة التي تنمو في تربتها كل الأشكال السلوكية الفردية والجماعية ذات المنحى العنيف التي نطلق عليها عادة نعت " الخشونة" (أو بالعربية الممزغة " تاخشانت")، والتي تأخذ مصدرها من "خشونة العيش" وشظفه ( " اخشوشنوا، فإن الحضارة لا تدوم" : الحديث النبوي)، المعارض لمفهوم " التحضر" ، فهو نعت يستمد منحاه الدلالي من نمط إنتاج فلاحي رعوي وانتماء فضائي بدوي، خلافا لنمط الإنتاج السلعي المالي والحرفي المديني.
هناك إذن ما أسميه" بالاستعداد السيكو اجتماعي لمختلف أشكال العنف أبسطه رمزي سلوكي طباعي وأعتاه جسدي عدواني إجرامي.
"فالعدوانية" ، هي أعلى درجات العنف وليست العنف في حد ذاته!، يبقى أن نحدد مكونات العنف الرمزي الذي يمثل قاعدة انطلاق العنف المادي،ونرجعه إلى "الأنانية" الدفاعية الموجودة أولا لدى الكائن البشري بشكل فطري غريزي(بشرا كان أم آدميا.. مع الفرق اللغوي) بأشكال متفاوتة حسب قوة التحكم والسيطرة والردع الذاتية أو الموضوعية (النفس اللوامة، الضمير الجمعي والقانون ).
1/ كمياء الثقافة أو التركيبة الثقافية للمجتمع الجزائري.

قطعا، لا يمكن تقديم " وصفة" دقيقة ولا تشخيصا صارما لمسألة "الخلطة" الاجتماعية والتركيبة الثقافية للمجتمع الجزائري. فالمسألة ليست مسألة " طبخة" ومقادير أو عينة تشريحية من جسد، وتحاليل محددة بظروف مخبرية، ذلك أننا نفتقد إلى كثير من العناصر المشكلة للبنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع الجزائري، وعليه سوف نتخذ من العنصر الثقافي اللغوي الألسني دعامة لرسم خريطة ثقافية مصغرة للمجتمع الجزائري والذي من شأنه أن
يوضح لنا فيما بعد دوافع طرحنا لفرضية البيئة السوسيو ـ اقتصادية كمحفز أو ككابح لنزعة العنف السلوكي، قبل سلوك مسلك العنف، أي " امتهان" العنف المادي.
المجتمع الجزائري بمختلف انتماءاته العرقية (عربية,بربرية,إفريقية,أوربية,متوسطية) مجتمع في غالبيته ذي طابع فلاحي رعوي فيما خلا بعض الجيوب الحضرية المتأصلة في المدينة الموروثة عن تاريخ طويل يمتد عبر أكثر من ألف عام :تلمسان,العاصمة،بجاية،ندرومة قسنطينة،مستغانم.. لاسيما على طول الساحل وبعض "الجزر" الداخلية .يتعلق الأمر بتلك الحواضر و المدن التي أنشأها إما الوافدون الأوائل أيام الفتوحات أو تلك التي شيدت أو اتسعت بعد سقوط الأندلس . أما الجنوب فيمكن اعتبار بعض القصور الصحراوية "مدنا" حضرية مزدوجة الوظيفة :حضرية, صحراوية,تعتمد على نمط الإنتاج المهجن (فلاحي،رعوي،تجاري حرفي) وهو النموذج الأقرب إلى المدن والحواضر العربية بعد الإسلام في شبه الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين و بلاد الشام.
من خلال هذا الرسم يمكن تمييز ثلاثة ممرات طبيعية :الممر التلي وفيه يتمركز غالبية السكان الجزائريين (من 100 إلى أزيد من 300 ساكن في الكيلومتر المربع الواحد وذلك حسب إحصائيات 1977...) وتتميز بسيطرة نموذجين اقتصاديين: فلاحي وصناعي تجاري،حيث تتواجد أكبر المدن والتجمعات السكانية الحضرية. في الوسط ، يمكن تمييز ممر الهضاب العليا الذي يمتاز بغطاء نباتي حيواني جد مهم، مما يؤهله لخلق خط رعوي ترحالي ونصف ترحالي (رعوي فلاحي)، مع بعض التجمعات السكانية الحضرية الريفية (بكثافة سكانية تقدر بـ 10 إلى 50 ساكن في الكيلومتر المتربع )،والتي تعتمد على ثلاثة أنماط اقتصادية:النمط الرعوي الخاص، النمط الرعوي الفلاحي، النمط الفلاحي ـ التجاري أو الرعوي ـ التجاريالممر الثالث هو الممر الجنوبي الصحراوي، حيث خط الرمل والنخيل والواحات الصحراوية والتي تعتمد على نمط هجين : فلاحي رعوي ـ تجاري ـ حرفي بكثافة سكانية ضعيفة تقدر بأقل من 10 سكان في الكيلومتر المربع الواحد.
في الغالب، يبدو أن النمط الرعوي الفلاحي هو السائد ومعه سوف تسود الطبائع الرعوية الفلاحية ومختلف الأشكال السلوكية الثقافية الفردية والجماعية عربية كانت أم بربرية. فالمجتمع البربري القديم، حسب طروحات بن خلدون ومعه إبن قتيبة، تميز بين فصيلين (فرعين) أو فخذين أساسيين تكون منها المجتمع البربري: الفخذ الرعوي (البتر) والفخذ الزراعي (البرانس). انتشرت المجموعة الأولى في السهوب والهضاب العليا (زناتة وفروعها..) فيما استقرت الفرقة الثانية بالمناطق الساحلية والمرتفعات الجبلية (القبائل الكبرى والصغرى).

2/ إذا عربت المدن، خربت المدنية.
يؤدي بنا ما سبق إلى طرح فكرة " التعريب" التي تحدث عنها بن خلدون والتي أصبحت تحمل دلالة أخرى خارجة عن سياقها التاريخي والمعرفي:"إذا عربت، خربت"!
"التعريب" الذي نتحدث عنه هنا هو ذلك الحراك الاجتماعي الثقافي الذي حدث خلال القرنين الـ 11 و12 الميلاديين، إثر نزوح تلك الأعداد الهائلة من القبائل العربية الضاعنة: بنو سليم، بنو هلال، الأثبج، المعاقيل...باتجاه "إفريقية الخضراء".
المؤرخون والرحالة الجغرافيون، يختلفون حول تعدادهم، لكنهم لا يختلفون كثيرا في عدَتهم وفي طريقة انتشارهم (1) وحجم التسلح الذي كان مرافقا لهذا الانتشار (حتى أن بن خلدون وصف طريقة انتشارهم بالصيغة القرآنية ليوم البعث "كأنهم الجراد المنتشر"). هذه الأعداد الهائلة من قوافل الأعراب، وهذا الحجم الأكبر من نوعه باتجاه الشمال الإفريقي، كان من شأنه أن غير الطبيعة الديمغرافية والثقافية واللغوية وحتى الاقتصادية لشمال إفريقيا بشكل عام والجزائر بشكل خاص بسبب شساعة منطقة الهضاب، وبالتالي على السلوك العام والممارسات الأنثروبولوجية.
هذه القبائل (الأعراب)، سيكون لها دور تشكيل البنية الثقافية واللغوية في الشمال الافريقي وحتى في بعض دول الساحل الإفريقي . كما سيكون لها الأثر الفعال في نقل الممارسات والسلوكات الفردية والجماعية إلى المجتمع البربري، لا سيما القبائل الزناتية الضاعنة في السهوب:" الشاوية".
حاليا، ما يدل على ثقل التأثير الثقافي واللغوي لهذه القبائل على مختلف مناطق وسكان الجزائر، سيطرة اللغة العامية الخاصة بهذه القبائل. يتجلى ذلك في بعض مخارج الحروف اللهاتية والحلقية واللمفوية الخشنة والمصوتة مثل الجيم المفخمة (الجيم المصرية)، والتي هي من خصائص لغة البدو والأعراب. (بعض الحواضر وبعض الجيوب اللغوية المدينية ، فلتت من حجم التأثير المباشر للغة الأعراب كلهجة أهل تلمسان، ندرومة، فاس العاصمة..ولهجة بعض ــــــــــــــــــــــ
(1) يقدم المؤرخون أرقاما متفاوتة تتراوح ما بن 300 ألف إلى مليون وإلى "نصف سكان شبه الجزيرة". ينظر
A.. Benachenhou :Connaissance du Maghreb.Ed de l’ANP/Alger .1971.P :79-80




المناطق ذات التواجد الخصوصي:يهود المغرب وتونس والجزائر قبل الاستقلال، ولهجات الغزوات وجيجل، وبالطبع اللهجات البربرية..).
هذه القبائل الناجعة والنازحة ، بهذا الحجم ،كان لها التأثير الحاسم في " تعريب" الشمال الإفريقي بشكل عام، لا سيما الجزائر: تعريب سوسيوـ أنثروبولوجي و"تعريب" ثقافي ـ لغوي، وهذا بعد أن اكتفى الفاتحون المسلمون بـ " أسلمة" المجتمع المغاربي دون التمكن من تعريبه ثقافيا ولغويا..
هكذا كانت هذه القبائل وراء " تعريب " شبه كامل للشمال الإفريقي، ولكنها أيضا كانت وراء عملية "تخشين" المجتمع و "تبديته" (من.. البادية..)، والذي كان جزء منه مهيأ قبليا: (المجتمع الرعوي البربري من شاوية زناتة، مثلا) ..فالغلظة و الخشونة في القول والعمل من طباع الأعراب.! الأعرابي لا يتمدن بسهولة، فهو مضاد للمدنية بالطبيعة!..فالمدنية والعمران ضد طبيعة تكوينه النفسي والاجتماعي .. وضد نزوعه الاقتصادي الترحالي..واستقلاليته. وعليه، طرح بن خلدون مقولته "إذا عربت، خربت"، في إشارة إلى تدمير وتخريب بني سليم لمدينة القيروان!
الأعراب، ليسوا أهل مدنية، وخشونة اللفظ عندهم من مخارج الحروف (الصوت المرتفع والحركات اللفظة الخشنة والغلظة في التعبير والحركات التعبيرية العنيفة .كما أن السلوك الخشن هو تعبير عن رد فعل ضد المساس بما يعتبر " أنفة وكرامة" (منها المطالبة والعمل على
الأخذ بالثأر مهما كلف ذلك من ثمن) (*)
هذا من جهة،من جهة أخرى، كان العامل التاريخي في عهد الدولة الموحدية والدويلات الثلاث التي عادة ما كانت تنتهي بها أو تتخلل فترات من الحروب بين الاخوة الأعداء من تونس والجزائر والمغرب إثر التحالفات السياسية الظرفية لهذه القبائل مع أمراء الدويلات تماما مثل ما حدث مع هذه القبائل في شبه الجزيرة في تحالفات مع القرامطة واقتصاص الدولة الفاطمية منها بإبعادها إلى إفريقيا الخضراء للتخلص من "شغبها" الدائم
ـــــــــــــــــ
(*) في نادرة تروى أن أعرابيا سئل: هل يسرك أن لا تأخذ الثأر والعار "؟ أجاب: يسرني أن آخذ الثأر والعار وأدخل مع فرعون النار!

كانت تنتهي بعمليات تهجير وتوطين لهذه القبائل،مما جعل عمليات التشتيت هذه تسرع من وتيرة انتشار هذه القابائل عبر كامل مناطق وبلدان المغرب العربي والجزائر بشكل أساسي.
3/الهجرات، النزوح والمدينة المتبدية

عامل التهجير والتوطين السياسي لهذه القبائل في تاريخ الجزائر كان وراء توحيد نمطية الجزائر وتوحيد سلوكها الذي تميز بالرفض والغلطة وخشونة المعاملة والكلام والطباع (حتى هذه الذهنية صارت الطاغية وصارت ترى في "المديني" ذلك الرقيق المتحضر المتحدث بصوت واطئ "جبانا" وقليل الشجاعة والإقدام :نموذج نظرة لسكان الغزوات إلى سكان ندرومة مثلا و سكان المناطق الريفية التلمسانية أي أهل تلمسان الحضر ..!
هذا الاستعداد الثقافي التاريخي،قد تنضاف إليه عوامل أخرى في تأجيج دواعي العنف وامتشاقه كأول وسيلة وليست آخرها لحل الخلافات.
من بين العوامل التي ساعدت على انتشار العنف عندنا هي الهجرة الداخلية أو ما يسمى بالهجرة الريفية خلال مختلف الحقب التاريخية: أثناء الاحتلال من خلال نشوء الأحياء العربية على هامش الأنوية العمرانية الأوروبية، ثم بعد الاستقلال مباشرة إثر شغل الأملاك
الشاغرة التابعة المعمرين الأوروبيين والتي بنوها لأنفسهم بأنفسهم على مقاس أنفسهم،وانتهاء بالهجرة التي عرفتها البلاد خلال العشرية الأخيرة الناجمة عن تدهور الحالة الأمنية في الريف، مما جعل المدن المريفة أصلا تزداد كثافة وتناقضا، ساهم في هذا الوضع ، التحولات الاقتصادية والاجتماعية من جراء المرور السريع إلى اقتصاد الاستهلاك السريع و"الفوضوي المنظم"!
نتائج ذلك،تمثلت ترييف المدينة الأوروبية والحضرية وبشكل مواز لذلك، "تمدين الريف.. بطريقة ريفية"!،مما جعل الحواضر والتجمعات السكانية في الجزائر،لا تختلف كثيرا إلا من حيث الحجم والعنوان الإداري!
ما شهدته الجزائر خلال العقد الأخير، كان عاملا قويا في دفع التناقضات المتراكمة إلى حد التصادم عوض التعايش الذي بقيت تحت سلطته لعقود. فقد أدى "النزوح اللجوئي"،إلى تفجير التناقضات المستعدة أصلا للانفجار..أقصد بها الاستعدادات الفطرية التراكمية الثقافية، مع الاستعداد المكتسب (الظروف المعيشية الاجتماعية والاقتصادية..)، الذي تحول خلال العقد الأخير إلى عنصر "صاعق" في تفجير اللغم الموقوت.
ويمكن أن نلخص هذا الصاعق في ثلاث خيوط تتحكم في التفجير:الخيط الأول (الخيط الأحمر)، ويتمثل في انهيار المستوى المعيشي الناتج عن البطالة الناجمة بدورها عن التسريح الشامل والممنهج لآلاف العمال إثر دخول البلاد تحت ضغوطات صندوق النقد وعمليات الخصخصة والانفتاح الاستهلاكي باتجاه الأسواق العالمية . الخيط الثاني (الخيط الأزرق)، ويتمثل في الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد إثر الدخول في التعددية السياسية وما نتج عنها من بروز لخلافات وصراعات ظلت موءودة طيلة ثلاث عقود: الأصولية الدينية، الأصولية الديمقراطية،والأصولية اليسارية مع أصوليات جديدة تمثلت في "الأصولية الوصولية"، الفئة السياسية والاجتماعية المستفيدة من التحولات الاقتصادية. الخيط الثالث (الخيط الأصفر) هذا الخيط مرتبط بالخيط الثاني ارتباطا وظيفيا (الوظيفة السياسية المضادة للتدين السياسي، أدت إلى انتهج سلوك سياسي مؤداه "تدنيس" الأخلاق لأغراض سياسية إيديولوجية(*). الخيط الأحمر يرتب بالثاني ارتباطا عضويا، ويرتبط بالخيط الأول ارتباطا سببيا، بحيث يبدو الخيط الأخير وكأنه نتيجة وليس سببا، ويتمثل في العامل الأخلاقي وانتشار الممارسات غير الأخلاقية (الرشوة، المحسوبية، الدعارة..)
بالنتيجة،هذا الهجرة اللجوئية الأخيرة، حولت كثيرا من سكان المدن الجدد إلى لاجئين اجتماعيين،محدثة اضطرابا في البنية الاجتماعية المضطربة أصلا وكذا في البنية الاقتصادية، مما حول بعض الأحياء الجديدة المبنية على محيط وأحواز المدن إلى "دواوير قبلية"،ملقمة إلى محيط المركز العمراني، تمارس فيها وبها كل أشكال البحث عن الاندماج بشكل سريع وغير عقلاني.
رد الفعل لدى السكان القدماء نسبيا (أولاد البلاد)، لا سيما الشباب غير المستفيد من هذه الوضعية،كان حادا في كثير من الأحيان:القفز إلى حدود الاعتداء على المستفيدين الجدد وأصحاب "ثقافة المظهر" (سرقة السيارات، الهواتف المحمولة...). ليس هناك هدف محدد سلفا لدى هؤلاء..المهم النتيجة..والوسيلة.. الاعتداء والسطو..
العنف ليس بالضرورة عنف مسلح،هذا الأخير هو في نظرنا "أعلى مراحل العنف" وآخر درجة في سلم العنف السلوكي اليومي..
وعليه،ينبغي أن نؤكد أن العنف هو نتاج تنشئة أسرية من جهة وتكفل اجتماعي (prise en charge sociale)،أساسهما " العدل" والتوزيع العادل للدخل والحظوظ الاجتماعية المبنية على سيادة الفرد في المجتمع،لا على إذابته مطلقا في الاجتماعي شأن الأنظمة الشمولية،أو سلبه شخصيته من خلال فردنة الإنسان وتشييئه ، كما هو الحال في الأنظمة الرأسمالية،من شأن هذا العمل أن يلين الطباع ويرقي الشعور الاجتماعي لدى الأفراد باتجاه تحمل الآخر ولو كان مختلفا وقبول الآخر ولو كان مغايرا..
ــــــــــــــــــ
(*) انتشار محلات بيع الخمور مثلا كان بقرارات إدارية بهدف سياسي:مواجهة التهديدات الإسلاموية والوقوف في وجهها بشكل تحدي!

23.4.06

أ.د. عمار يزلي
من مواليد ولاية تلمسان سنة 1955، كاتب ومبدع..كتب في القصة والنقد السوسيولوجي والمسرح..نشر عدة أعمال إبداعية وكتب المئات من المقالات في الأدب والنقد الاجتماعي والثقافي والفكري.
كاتب، ومثقف متعدد الاختصاصات، يشغل حاليا منصب رئيس قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة وهران.
يحمل شهادة دكتوراة الدولة في علم الاجتماع الثقافي..ورتبة أستاذ التعليم العالي في قسم علم الاجتماع بنفس الجامعة.
عرف بكتاباته الصحفية الساخرة ولكن أيضا بمساهمانه في الحقل الفكري والمعرفي، وبمشاركاته في العديد من اللقاءات العلمية الوطنية والدولية...يكتب في صمت..بعيدا عن الأضواء..وعن الطموحات غير العلمية..