27.5.14



بنو "أمية" السياسة


البعض ممن راهن ويراهن إلى اليوم على العون والعامل والفعل والتدخل الخارجي لتغيير سدة الحكم نحو "الأقلية الساحقة" في الجزائر، أو حتى نحو "الغالبية المسحوقة" واهم، لأنه لا يعرف سر التراكمات الداخلية الانفعالية تجاه الخارجي والأجنبي، حتى ولو كنا جميعا "نمجد" في دواخلنا أمجاد فرنسا.. لكن في بلدها! وليس عندنا! الذين يعتقدون أن الربيع العربي، الذي صار خريفا، قد يتحول من جديد إلى "ربيع أمازيغي"، لا يفهم كثيرا في التاريخ ولا في الجغرافيا ولا يقرأ النتائج ولا يستخلص "العبر"، التي من المفروض أن نكون قد استخلصناها كلنا جميعا من "كتاب العبر" وعبر الكتب وعبر التاريخ.

الوهم، بأن الخارج عمل فعال في كسب معركة الداخل، وهم تاريخي، نجح ولكنه فشل في النهاية! استعان العرب والمسلمون والمغاربة بالروم وبالأسبان وبفرنسا وفي المحصلة يعرفون ماذا حصل! والآن، إنهم يتوددون لفرنسا وأمريكا من أجل نقلهم إلى مصاف الحكم وهم أقلية.

نمت لأجد نفسي أعيش زمنا غير زمننا هذا! فقد قام زعيم قبلي قبائلي، بعد أن عمل المستحيل لكي يرضي إسرائيل وأمريكا وفرنسا لكي تتدخل في الجزائر من أجل فرض منطقة مستقلة في منطقته وبعض المناطق التي يعكر فيها صفو الوئام العام. حصل على ما كان يريده: جمهورية بربرية مستقلة عاصمتها "يهوذا". وهذا بعد أن صفى المعارضين المسلمين الإباضيين والسنينن على حد سواء والذين رفضوا مخططاته الجمهورية اللآئكية الشعبية البربرية غير الدينية. صفاهم واحدا واحدا عن طريق العمل الإسرائيلي المجاهد ضد الفلسطينيين الإرهابيين! تجربة إسرائيل ضد الإرهاب الفلسطيني في كل من غزة والضفة، جعله يفلح في الضغط على الحكومة الضعيفة من فرط تضاعف الضربات على خاصرة حدودها الجنوبية والغربية والشرقية حتى أضعف الجسد ككل وأرغمت السلطة على تقديم تنازلات وقبول استقلال نصف الجهة وسط الشمال وجنوبه. نصف البلاد راح للدولة الجديدة من جراء التقسيم على النحو الذي فعل في السودان! المسيحية صارت عنوانا بارزا في الشعائر، لكن لا رائحة للمسيحية الحقة! العربدة والخمور والفسوق والفجور وأكل الخنزير ورمضان في عز النهار، وقلة الحياة والحشمة والوقار، هو قانون السيادة العامة في هذا الجزء السيد من جمهورية الحرية المطلقة! اليهود صاروا بالآلاف والنصارى أكثر وأصحاب لا دين ولا ملة أكثرهم جميعا!

ماذا فعل الشعب المجاور؟ أغلقوا الحدود وبنوا السدود، أمام الشذوذ، وأوقفوا توافد الوفود ومنعوا تدفق الوقود والـ food". وحاصروا الدولة المنفصلة من كل جهات الحدود: من جهة أولا حمود إلى بني صمود، مرورا بشمال منطقة أولاد عبود ونزولا باتجاه وادي اليهود. وأعلنت الجزائر فضاءها ممنوعا لكل طائر يطير بجناحيه، وتحرك الجيش وميليشيات الشعب لإسقاط أي حمامة تحوم أو سيوانة تهوم! قرابة 3 ملايين صاروا تحت رحمة الجوع والمرض والموت البطيء! فتحت قوافل الإغاثة ومخيمات للاجئين، وفر بعد الكر أكثر من ثلاثة أرباع دولة الكفر، نحو الأرض الأم! استقبلهم أخوة الأمس بالحنين واللمس، فيما أشبعهم مسئولوهم بالركل والرفس والضرب والعفس، لأنهم تجرؤوا على العودة إلى حضن أرض الأم، وخانوا ملة الكفر والعدم، باحثين عن الحب والاستقرار والتقاسم والعيش المشترك بعيد عن الشحن والمحن وقانون الغاب والدواب ونكران النكير والمنكر النكير.

وفي ظرف سنوات لا تتعدى الخمسة، كانت الجمهورية المنفصلة تعلن نهايتها بلسانها ويدها وتعلن التوبة بعد أن تم التنكيل بأصحاب النزعة التي أدت إلى هذه "المعزة"..فقد قام البواسل الأشراف من أحرار الأمازيغ من ا
جتثاث قلوب المغامرين الشواذ من أجوافها وعلقوهم على الخوازق من أردافها، أمام الملأ لمدة شهر في شمس الطهاج ولهيبها.

لم تتدخل لا فرنسا ولا أمريكا ولا حتى إسرائيل! فقد فر اليهود مذعورون مما حل من داخل وخارج الجمهورية الملعونة في القرآن، غير مصدقين بأن هذا قد وقع أو قد يقع! فقد وقع عليهم خبر الأحداث كصاعقة عاد وثمود، ولم يتوانوا في التنكيل بالهاربين والمرتدين بحسب توصيفهم، إلا أنه لا أحد تمكن من الوقوف أمام سيل الشعب الجارف، الرافض للمهانة والضيم وبيع الكرامة الإنسانية والخيانة في حق الأمة والتاريخ والدين والإنسان الحر الشريف الكريم. لم يفهموا أن الشعب الجزائر واحد وأن البربر والعرب وجهان لعملة واحدة وأن العقيدة والأخلاق هما الصفتان المركزيان لديهما، وأن النبل والإخلاص والتفاني والحرية والاستقامة من شيم البربري والعربي، وإن الخسة والدناءة والحقارة من شيم شواذهم وشذاذ الآفاق..

استوعب الجميع الدروس بعد النكوص، وعاد الكل إلى موقعه الأصلي وعاد الأرض أرضا للجميع والوطن وطنا للجميع والشعب للبلد الواحد، إلا أن الحكومة بقيت حكومة شعب آخر، لا هذا ولا ذاك. وكان على الجميع أن يعملوا على توحيد قواهم جميعا من أجل "شعبنة" الحكومة والسلطة التي لا تزال تختزل الشعب في شعاب بعض الأودية وبعض الأفراد المرضى بدون أدوية!

لما أفقت من غفوتي وكان الوقت وقت ظهيرة، كنت أمام جريدة الأمس وقد كتبت تعليقا طويلا عن الأطراف المحركة للنزاع في الجزائري تحت بند التدخل الأجنبي. قلت في نفسي وأنا أضحك: ألم يقل الجنرال جياب أن الإمبريالية تلميذ غبي، يرسب ويرسب وسرعان ما يجد نفسه في آخر الأمر يطرد من المدرسة؟ كان عليه أن يقول أن الغباوة أيضا في أعوان الاستعمار، لأنهم هؤلاء قد طردوا من المدرسة حتى قبل دخولها!




أنت تغلط ونحن نصحح



 حملت نفسي وقلت: لن أكون من المقاطعين حتى ولو قطعوا صوتي إربا إربا. فأنا مواطن، ولي حق المواطنة والمشاركة في كل ما يتعلق بأمور الوطن: سأذهب للصندوق حتى ولو أتى الصندوق بغير ما تشتهيه سفني الجاثمة على الرصيف منذ سنوات طوال! لن أبقى بعد اليوم ملاحا بلا بحر ولا شراعا بلا سفينة، سأذهب وأخوض بنفسي في منافسة الصندوق التي قد تكون هذه المرة نظيفة ونزيهة بوعد جديد من أعلى القمة. ورغم أني متشكك، إلا أني أميل إلى الأمل في التصديق كون شكي ليس في محله وأن "بعض الظن إثم". فلقد طال عمر التعددية عندنا نسبيا، ونكون قد تعلمنا أن نحترم إرادة الشعب بعد أن نزعناها منه منذ استفتاء  جويلية 62، وباسمه لا باسم غيره!: باسم الشعب ننقلب علي الشعب ونسحب منه أصواته "لصالع" الشعب! حتى أني لم أعد أعرف من هو هذا الشعب الذي يريدونه والذين يتحدثون باسمه وبه! هذا الشعب لا يوجد إلا في أدمغة وألسنة من يتلهجون به! مع كل هذا، قلت أن "الخاوة" يكونون قد استوعبوا الدرس وصحا ضميرهم وأنهم قد عادوا إلى رشدهم بعد أن تفطنوا وتأكدوا بأن الشعب الذين كان يرون فيها "قاصرا"، قد هرم هو الآخر وصار يفهم أكثر منهم في السياسة وفي الكرة وفي الدين وفي الاقتصاد وفي الثقافة والعلم والتربية والتعليم.
بكرت صباحا، لكي أنتخب بلا انتظار طويل في الطابور، مع أني كنت أشك أن يكون هناك طوابير في الصباح الباكر (ولا في المساء!). الناس قد ملوا الانتخابات الموسمية الدورية التي لن تأني بجديد، ما دام أن الجديد مرسوم في الغرف المظلمة داخل الصالونات والاستوديوهات المضاءة!. بكرت أنا لوحدي، بعد أن قرر كل أفراد (وبقرات) عائلتي بمن فيهم زوجي عدم الذهاب إلى الصندوق، بحجة أنه لا فائدة من انتخاب شخص من الأشخاص المقترحين، ما دام أن الشخص المراد له أن يكون الفائز هو الرابح حتى ولو كان خاسرا! وأن النتيجة معروفة سلفا: الشخص هو نفسه عينه الذي هو سلفنا "الصالع". رأيي أنا كان مخالفا لرأى جماعة العائلة المنقسمة على نفسها بين أغلبية مقاطعة وجزء بسيط مؤيد للمرشح الأول والثاني، والبقية، لا صوت ولا رأي لهم.
لم أرغب أن منح صوتي لأي أحد، وعليه، كان علي أن أصوت ببطاقة بيضاء: المهم المشاركة حتى لا ينتخب في مكاني أحد! فقد سمعت أنه من لا يصوت، فسيصوتون بدله شاء من شاء وأبى من أبى.
لم يكن "الغاشي" كثيرين أمام مركز التصويت! فقد كان القائمون على القوائم القائمة القاعدة، أكثر من المصوتين! دخلت "في خاطري" بكل راحة واطمئنان وسكينة ووقار، وهدوء وراحة بال، مررت على القائم على فحص سجل المنتخبين في هذا المركز، بحثوا عن اسمي فوجدوه (الحمد لله لم يكن أحد قد صوت بدلا عني إلى حد الآن! فرحت لأني سبقتهم! فلقد كان الشك يراودني أن يسبقوني، خاصة وأني لم أنتخب منذ 20 سنة، وقد يكونون يعرفونني بأقدميتي في هذا المجال، فيصوتون بدلا عني مسبقا! الحمد لله، خاب ظني وباء بالفشل، وحمدت الله على أن ذلك لم يحصل. هذا الأمر زاد في قناعتي بأن الأمور تسير بخير وعلى خير وأن نسبة الشك في التلاعب والتزوير تنحصر وأن الشك قد بدأ يتبدد أمام أعيني وحمد لله من جديد!: الحمد لله الذي جعلنا نتعلم الديمقراطية في وقت قصير وجعلنا نهتدي إلى طريق الخير بدل التزوير ونعترف بصوت الشعب المضرور الضرير، ونغلب مصلحة الفقير على مصلحة جبهة التحرير. بعدها مررت على القائمة على قوائم المرشحين الستة، أخذت ستة قوائم وظرفا واحدا، ولم يقم أحد بتوجيهي أو أخفاء بطاقة أي من المرشحين الستة. فقد كان البعض يشتكي من عدم أو قلة بعض أوراق مرشحي المعارضة، مما يجعل المواطن عرضة للتلبيس والتدليس وأخذ ما كان موجودا ومعروضا على الطاولة، تماما مثل السلعة وعقلية "أدي وإلا خلي" والمثل القائل "الجود من الموجود". لكني لاحظت أن الأمور تسير بشكل طبيعي وعفوي، لا همس ولا لمس ولا غمز ولا لمز، بحضور ممثلي جميع المرشحين المراقبين لسير العملية. دخلت المعزل، فلم أجد في الأسفل أوراق المرشحين المعارضين مرمية في الأسفل كما كان يفعل في السابق، حيت كانوا يرمون أوراق غير المرغوب فيهم في أسفل أرضية المعزل لينبهوا الناخب إلى أن الناس لم تنتخب هؤلاء وعليك أن تفعل مثلهم حتى لا تخرج عن القاعدة! وبما أن كثيرا من الناس يتأثر بما يرى وذي نفسية سلوكية انطباعية أو لا رأي له ، فيضطر إلى التقليد، والتأثر بالمحيط فيرمي ما رماه الآخرون (مع أن المشرفين على المركز يكونون أصلا هم من رموا بطاقات المرشحين لإيهام وتغليط الناخب). لم أجد صورا ولا بطاقات مرمية، فاخترت أن أضع البطاقات الستة كلها في جيبي وأن أخرج بظرف فارغ أضعه في الصندوق كعربون مني كمواطن رافض للمقاطعة أن أوصل رسالة "فارغة" مفادها أنه لا مرشح واحد ملأ أعيني لأنكم لم تفتحوا العمل السياسية الديمقراطي وعلبتم الديمقراطية على مزاجكم حتى لا يخرج إلى العلن إلا ضعفاء الأنفس والأرانب أو الذين لا حظوظ لهم بعد أن يتم استبعاد المرشحين الأكثر حظا وأكثر مصداقية والتي غابت وغيبت من المسار منذ 20 سنة. هذه كانت رسالتي لهم. خرجت ووضعت الظرف فارغا في الصندوق وخرجت مسلما على الجميع لأنه لم يكن في المركز ساعتها غيري!
لكن ما كدت أخرج من المكتب، حتى لحقني أحدهم يهرول شبه غاضب: واش درت سي محمد؟ قلت له: والو..ما نيش عارف! قال لي: راك درت غلطة قد وجهك! نسيت تضع بطاقة الرئيس المرشح في البطاقة، ورانا صححنا الخطأ نتاعك ودرنا في الظرف ورقة الرئيس المرشح.. تقدر تمشي وما تعاودش تدير هذا العفسة... هيا تربح...
وأفيق وأنا أردد أغنية الشيخ العنقا: الحمد لله ما بقاش الاستعمار في بلادنا..


حديقة حيوانات بشرية

وجدت نفسي مديرا لزريبة اسمها "حديقة حيوانات" تابعة للبلدية!. حديقة يكاد لا يوجد فيها حيوان ما خلا الحيوانات البشرية التي تعمل فيها ومن بينهم أنا! فلقد انقرضت الحيوانات التي بقيت هنا من أن ترك الاستعمار البلاد غير مأسوف عليه. انقرضت تحت تأثير كل أشكال التنكيل: الجوع والعطش وقلة الاعتناء، مرورا بذبح بعدها من طرف العسس الليلي تحت تأثير الخمر: أكلوا غزالين ونعامة، وبعض العناز وبقرة وجملا، والعديد من البط والدجاج والديكة من ديك رومي و"عربي". كل هذا خلال 10 سنوات. البقية من الحيوانات، ذهبت إلى شقق وفيلات المسئولين بدء من الوالي ونوابه والمير وأعوانه، وانتهى المطاف بي، بأن أسكتوني بنسر لا يزال على قيد الحياة في بيت مسئول في العاصمة اشتراه مني بخمسين مليون سنتيم! القرد ذهب للوالي، الطاووس لرئيس البلدية، ولست أدري أين ذهبت الحيوانات ألأخرى: الفيل الزرافة، ثلاثة من الضباع وأسد ولبوءة ونمر وفهد وتمساح! (أكيد أن الذي أخذ التمساح يملك مسبحا أولمبيا!)..
لما عينت مديرا لحديقة الحيوان البلدية، كان هناك فقط 40 حيوانا وطائرا، بعد أن كان يضم في الأصل 132 نوعا. واليوم لم يبق إلا 4 حيوانات +5،  أي أربعة عمال وحراس وأنا خامسهم! حتى الأقفاص أخذت لتربية الحيوانات المنزلية من أرانب ودواجن وكلاب وكباش العيد.
هذه المرة، كان علي أن أمر بامتحان صعب: لقد جاءني الوالي بنفسه رفقة وفد يضم المير ومدير الأمن ونحو 17 من الأعوان: وفد ضخم جاء في زيارة فجائية، ليقولوا لي أنه على أن أدبر رأسي وأن أزود الحديقة بأكثر من سبعين نوعا من الحيوانات والطيور لأن الرئيس سيزور الحديقة رفقة العاهل القطري وهذا أمر سري جدا، وعلى أساس أن يتم هذا في أقل من أسبوع! طلبت منهم الإعانة وأن يرد كل من أخذ حيوانا أو طائرا إلى الحديقة مثلما أخذوها،  أو على الأقل يسلفوها لنا في سبيل الله، ريثما يمر الوفد الرئاسي. لم يرد على أحد طلبي لا قبولا ولا رفضا: أعطوني بالظهر تركوني و"اعطاوها"! وبقيت وحدي أحترق وأزبد وأرعد "أكفر" بالفرنسية والعبرية وبكل اللغات. وبت تلك الليلة أفكر في كيفية الخروج من هذه الورطة التي وضعوني فيها! هكذا يحصل في بلدنا! في الحقيقة زوجتي هي التي أنقذت الموقف، وأعطتني الوصفة السحرية! قالت لي: هذه زيارة "فاصاد"، لبق لهم وبريكولي وزوق تبيع وشكون اللي على باله بيك! وأعطتني فكرة! وغدا، كنت أعقد صفقات: أولا مع جارنا الطوليي! دبرت له 3 أحمرة وطلبت منه أن "يصبغهم" ليخرجهم بلون حمار الوحش! حمار لابس بيجاما! (الحقيقة أنه أبدع! أخذت حمر الوحش إلى الزو ورائحة البنتورة لا تزال تزكم الأنوف، وتركتهم يجفون في الشمس!. ثم وجدت 5 كلاب متشردة من أنواع مختلفة، أخذتهم عند أخي الحلاق وطلبت منه أن يصفف فروتهم ليصبحوا مثل الذئاب البرية. لست أدري ماذا أضاف لهم ولكنهم بدوا "خير من الذئاب الأصلية"! قال لي فيما بعد أنه وضع أنوفهم في الخل ليلة كاملة، ثم أطال لهم أنوفهم حتى بدوا كما لو كانوا ذئابا! كلب كبير أعرج، حوله إلى ضبع بعد صباغته، أنا بذاتي حسبته ضبع (لأني أنا هو الضبع الحقيقي!). اشتريت 4 من الديوك الرومية ونتفنا لهم ريش أعناقهم وحولناهم إلى عقبان ونسور، وصاروا يأكلون الجيف بعد 3 أيام من الجوع المتواصل! صرنا نعطيهم الجرذان فيلتهمونها (جوعا لا رغبة). وهكذا دواليك! خلال 3 أيام، كانت حديقة الحيوانات قد استعادت أمجادها من الحيوانات المفترسة (طايوان). البقية، قمنا باستئجار بعض العمال والمعارف للعب دور هذا الحيوان أو ذلك بعد أن زودناهم بجلود اصطناعية! الفيل: وجدنا رجلا ضخما (موح السمينة)، أدخلناه في لعبة بلاستيكية في غاية الشبه والإتقان تشبه الفيل. نفخت فتضخم حجمها 4 مرات حجم الرجل الضخم داخلها! يوم واحد من التمرن وكان موح السمينة، ينافس الفيل الحقيقي في كل شيء: من الصوت إلى الصورة إلى الحركة. الزرافة، نفس الشيء، حصل معها! استقدمنا "بوعلام طايايو"، الذي يفوق طوله 2.30 متر، والذي طال واستطال حتى أحدودب نصفه العلوي، مما جعل الناس يسمونه "لاجيراف". هو الآخر أبدع في التمثيل ولعب دور الزرافة! كل هذا بعد أن أخبرنا الجميع بأن الأمر يتعلق وفقط بتصوير حصة تلفزيونية في حديقة الحيوانات، لهذا كانوا جد منشرحين خاصة وأن ما عرضنا عليهم لقاء يوم واحد من التمثيل كان يفوق أجر شهر..(البلدية هي من تدفع، لكنها لم تدفع لأحد ولو دورو!). يوم الزيارة، كان مشهودا! جاء الرئيس بعد طول انتظار، حتى أن عمي علي العساس، الذي قبل أن يلعب على كبره دور القرد، كاد أن يسأم ويخلع الجد ويخرج من جلده أمام الرئيس والوفد المرافق لولا أن هددته بأنه لن يرى فلسا واحدا!. الرئيس، ما إن وصل حتى وقف أمام الأسد وقال لي: ماله هذا السبع نتاعكم؟ فيه مجاعة عندكم؟ قلت له: والله سيدي الرئيس الا راه ياكل خير منك ومن الوفد المرافق لك! (فنهرني البروتوكووول)..رد علي الرئيس: أدخلوا السبع على القرد ونشوفوا شحال راه ياكل! عمي علي، سمع الكلام وبدأ يتمتم: اشهد أن لا إله إلا الله...سمعته ولم يسمعه غيري! لأنه لا أحد كان يعرف ماذا يجري في الحديقة. في لحظة واحدة، كان الأسد في قفص "عمي القرد"! الأسد ما كان عليه سوى أن زأر وهجم على عمي علي، ليقول له في أذنه: ما تخافش: أن غير قويدر نتاع الكوزينة!
وأفيق وأنا أتحسس بطني جوعا وأفكر بما يكون قد حضر لي في الكوزينة.

17.11.06




الإسلام اليوم: المفهوم غير المفهوم


يمثل "الإسلام" ـ كمفهوم ديني من حيث الدلالة اللغوية التي تأخذ اشتقاقاتها من اللغة السريانية وصولا إلى اللغة العربية ـ مفهوما إشكاليا باطنيا، ذلك أن مفهوم الإسلام، يفهم على وجهين،كوجهي العملة: ظاهري وباطني. الجانب الظاهري، وهو ما فسر لغويا- دينيا على أنه "التسليم بالقدرة الإلهية" و كذا "السلام" أو "الاستسلام" ومنه: الإيمان بالله الواحد الأحد وبالنبي محمد (ص) خاتما لسلسلة الأنبياء والرسل.
الجانب الباطني: وهو ما يهمنا في هذه المقاربة: هو التسليم بوحدانية الخالق والخضوع لإرادته خضوعا مطلقا. أي أن "المفهوم" لا يشترط إلا أن تؤمن بالله الواحد الأوحد، أي أن تؤمن بمبدأ التوحيد، أي، دون الاشراك بالله "شيئا" أو "كائنا". معنى هذا، أن كل من "أسلم نفسه إلى الله" (آمن ووحد)، فهو "مسلم"!، وعليه، فإنه يمكن اعتبار كل معتنقي الديانات السماوية من الموحدين، "مسلمين"! (ما لم يشركوا بالله شيئا!)، من بينهم "النصارى واليهود"..والآيات التي وردت في القرآن الكريم ـ وهي كثيرة ـ تفيد هذا المعنى: "إن الدين عند الله الإسلام" ، أو كما جاء على لسان


النبي يعقوب (ع) لبنيه(الأسباط الـ12): "فلاتموتن إلا وأنتم مسلمون" (وكذا على لسان إبراهيم (ع): "إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين" (وقال عز وجل: "بلي من أسلم وجهه لله وهو محسن.."
فالإسلام معناه الباطني: الخضوع والتسليم بوحدانية المعبود الخالق دون غيره واتباع أوامره ونواهيه ظاهرا وخفية..أي في السير وفي العلن، باعتبار "التسليم" إيمان..والإيمان مقرون بالممارسة: ما "تصدقه الجوارح". هذا ما نجده لدى الكثير من علماء المسلمين، لاسيما فقهاء الباطن وحتى بعض التيارات الإسلامية، الفلسفية كالمعتزلة وإخوان الصفا وغيرهم. *

هكذا نجد الشهرستاني يدخل ضمن "المسلمين" من أتباع النبي محمد(ص) في الفرقة الناجية، لاسيما وان يربط "التطور" والنضوج العقلي بالتطور والنضوج التاريخي، عندما يقف عند حدود الحديث النبوي الشريف على معنى "الإسلام ومعنى" "الإيمان"، ليقف نفس موقف المتصوفة من السلم



ـــــــــ
*يمكن الاطلاع على ما قاله ابن حزم من "الفصل في الملل والأهواء والنحل".

الثلاثي الدرج: "الإسلام، الإيمان، الإحسان".
فالإسلام هو التوحيد والإيمان بالأنبياء والرسل على أنهم "رسل الله" ـ كما تدل عليه أركان الإسلام الخمسة،وهي نفس الأركان الموجودة في
الديانات السماوية: شهادة التوحيد بالله وبالنبي المرسل، الصلاة، الزكاة، الصوم والحج-حسب الاستطاعةـ أما الإيمان، فهو الدرجة التطورية الثانية بعد "الإسلام" لأن الإيمان يقتضي أن تجسد الحواس ما يؤمن به القلب. وعليه، يقول الحديث في معرض إجابة النبي محمد على "الأعرابي (جبريل): الإيمان أن تؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره.."أن تؤمن بالله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فهو يراك".
ولهذا تؤكد الآية: "وقالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم" وعبارة "لما" تفيد: "ليس بعد أي بعدا تطوريا أو سيرورة زمنية.

1/ الإسلام ولائكية "الدين-الدنيا"

بناء على الرأي "التطوري" الذي حدد المعالم الكبرى لتطور العقل البشري منذ ظهور الإنسان العاقل Homo-sapiens-أو "الآدمي" –نسبة إلى "آدم"-*، فإن "الإسلام المحمدي" يكون أسمى دين وأعلاه مرتبة في سلم "الارتقاء" النوعي والعقلي وذلك بحكم التطور التاريخي وتراكم
ــــ
* آدم: مشتق لغويا من الأدم..أي الجلد الذي لا يكسوه شعر.يمكن العودة إلى:محمد شحرور:الكتاب والقرآن.دار الأهالي,ط7. دمشق1997.

التجارب التي هي تراكم للعقل بحد ذاته.
فالتوحيد مبدئي، والشرك عرضي، أي "ممارساتي" يخضع البشر * للممارسة للحياة اليومية " المادية- الدنيوية" كمحك وصقل وتجريب "واختبار" (الابتلاء): "لنبلوكم أيكم أحسن عملا" .المحك الأساسي ، هو محك في شكل رحى حجرية ذات الفكين: فك علوي وفك آخر سفلي، بينهما تخضع البذور للطحن "والرحي". بموجبه تطحن ليصبح "دقيقا" خفيفا، رفيعا أو لتبقى "حبة"، بذرة دون نتيجة.
مفهوم "الارتقاء" و "التسامي" و "الهبوط" والتدني، مفاهيم تكرس التطورية في كل الأديان السماوية بما فيها، وأكثرها: "الإسلام المحمدي"، الذي يأتي كدين وتعاليم لا كممارسات ! (فالفروق شاسعة بين "الديانة الموسوية" التي هي "اليهودية" ( من أتباع يهوذا) وبين "اليهود"، كما الفرق شاسع بين "المسيح" (ع) و"المسيحيين".
وكما هو البون شاسع أيضا بين "الإسلام" و "المسلمين"، ففي كل هذه المحطات، وخلال الفترات التي تخللتهما زمنيا ومكانيا، كان الرسل والأنبياء (وهم كثر) : "منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك" (، هم من يتكلفون بوحي من الله عن طريق رسله من الملائكة (جبرائيل عليه السلام) بإعادة الناس إلى طريق الارتقاء بعد أن
ـــــــــ
* البشر، وعلى عكس "الأدمي"، هو ذلك المخلوق الذي يكسو جلده الشعر، أي تلك الكائنات غير المتطورة عقليا التي تسمى سوسيولوجيا "بالقطيع الحيواني". ينظر نفس المرجع السابق...


أغرتهم وأغوتهم "شهوات المادة" التي هي " بين الشيطان" في الابتعاد عن
طريق التسامي نحو المراتب السماوية العليا لصالح "الحياة الدنيا" التي ليست سوى "دار غرور": " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" "الإسلام" إذن معناه "التوحيد" والخضوع الذي يرادف في اللغة الفرنسية لفظة (la soumission)، حتى نرى "إبليس" قد طرد من الجنة، أي من "رحمة الله"-الرحمة، التي تفيد المحبة والحفظ وكل مكونات "الحب" الإلهي- فقط لأنه رفض السجود لمخلوق جديد اسمه "آدم"- وترابي المنشأ والمنبت-أي رفض الخضوع والتسليم، وعليه فقد كان "إبليس" خارجا عن طاعة الله، غير خاضع (insoumis ) نزعت عنه "الرحمة" وبسطت عليه "اللعنة" إلى يوم الدين (يوم الحساب النهائي).
هناك إذن، وفي كل الديانات السماوية مستويين اثنين لعمل "الدين": المفهوم العقائدي الفكري، والمفهوم "الممارساتي" أي "العملي". هذا الفرق ما بين المستويين الذي تتحكم فيه "الأهواء" والإنية الفردية-الجماعية" (l’égocentrisme)، هو ما يجعلنا نرى ذلك التصادم والتضاد و"الشيزوفرينيا" الدينية، المتجسدة في التضاد ما بين "الفكر والعمل"، أي ما بين الفكرة الإيمانية العقائدية وما بين ضرورة تطبيق تلك التعاليم في الواقع اليومي، مشكلة سبه "لائكية" غير إرادية أحيانا بين "الدين"



و"الدنيا": الدين الذي يدعو إلى "العلو" والدنيا التي تدعو إلى "التدني" (الهبوط)*
ضمن هذا السياق، تدخل كل الممارسات "الدنيوية" (المشروعة دينيا وغير المشروعة، أي "المحرمة" ) ضمن سياق البحوث السوسيولوجية والأنثربولوجية وكذا باقي العلوم الإنسانية الأخرى التي تجعل من مجال ممارسات البشر وأعمالهم وأساليب عيشهم، فضاء لأبحاثها ،كما هو الشأن مع هذا البحث .
فعلى كل الامتدادات المذهبية الدينية في الإسلام المحمدي، هناك هذه المعادلة الصعبة بين الإسلام والإيمان التي تؤدي إلى "الإحسان".
تبدأ هذه المؤشرات من النص القرآني الصريح، حيث لا نكاد نجد آية واحدة لا تربط الإيمان "بالعمل الصالح": "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" هذه الآية نجدها كثيرا ما تكرر حتى أننا نجد الحديث النبوي يؤكدها في معادلة واحدة محددة وفاصلة : "الدين المعاملة".

ــــــــــــ
*نشير هنا إلى أن "الهبوط" هو غير "النزول" أو "الإنزال" أو "التنزيل"، فهي مصطلحات متفاوتة في الدلالة، وفي المعنى، ذلك أن الهبوط يفيد التدني في المستوى الخلقي والأخلاقي أي "التقهقر المضاد للسمو أو التسامي أو "الارتقاء".



ولأن "الدين هو المعاملة"، فإن هذه المعاملة هي التي تحدد طبيعة ودرجة "التدين"، أي "القرب من التعاليم الأصيلة للدين..كيفما كان هذا الدين. وعليه، كان من المهم أن نشير إلى هدا الفارق الجوهري بين ماهو "ديني" سامي متعالي وما بين ما هو "دنيوي" زمني خاضع "للأنا" وللتذوق والفهم "الإني" لهذه التعاليم الدينية العليا.

2/ الإسلام والسياسة: المحددات غير المحددة

لم يربط أي دين سماوي "بالسياسة" كما ربط "الإسلام المحمدي"، وذلك لسبب بسيط- معقد في آن واحد: الإسلام المحمدي قد أنتج نظاما "سياسيا" وأسس "لدولة" إسلامية خلال الخلافة الراشدية ولكن الأكثر إثارة، أنه أسس لمشروع نظام حكم، ولو أن هذا النظام سيعرف تغيرا وتحويلا في مساره بسبب "الممارسة" التي تحدثنا عنها سابقا، أي سبب تلك النزعة "التجريبية" للأداء الاجتماعي تحت مظلة "الدين"، نقصد بذلك، ما سمي بـ "الخلافة الأموية والعباسية" وحتى "الخلافة العثمانية" فيما بعد. سوف نلاحظ هشاشة المعادلة الثنائية "الدين المعاملة" (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) عقب انتهاء "النبوة"، وبصفة أكبر بعد انتهاء عهد الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" (ض) مغتالا بعد اغتيال الخليفة الثاني "عمر بن الخطاب" (ض) كما ينتهي الخليفة الرابع "علي بن أبي طالب"هو الآخر مغتالا: ثلاثة خلفاء يغتالون من بين الأربعة (ينتهي العهد الراشدي على أيام "علي بن أبي طالب" لصالح "الإسلام الدنيوي".
الملاحظ هنا أن "الغلبة" الزمنية كانت للأقوى-وهو قانون موضوعي والقوة هنا، هي قوة "العقل" البشري بما يملك من إمكانية الالتفاف والزيغ والمناورة التي تبيحها "السياسة" الشيء الذي لا تؤمنه ولا تؤمن به التعاليم "الدينية" العليا التي تبني معاملاتها وتعاملاتها على أساس "الأخلاق" والقيم النبيلة العليا!! وبذلك تكون كما يقال قد تغلب "السلطان على القرآن".
السياسة إذن في منظور الدين الإسلامي المحمدي، هي فن "الممكن" ولكن ليس بكل شيء ممكن!!
لقد وجدنا أيضا لدى اليهود في سفر يشوع، أي بعد خلافة "يشوع" للنبي موسى (ع) تلك النزعة نحو تأسيس "نظام حكم" أو "دولة" "لشعب الله المختار" على "الأرض الموعودة"، ويمكن ملاحظة نتائج هذه النزعة الإنسانية لدى الاستيلاء على أرض وبلاد ".. الكنعانيين والحثيين والحويين والفرزيين واليبوسيين والجرجاشيين و والأموريين " لاسيما محاصرة وتدمير "أريحا" وإبادة سكانها بنص توراتي صريح:
( الأصحاح 6،7،8..) نفس الشيء نراه مع الامتدادات الاستعمارية الرومانية – البيزنطية (والحرب الصليبية أحسن مثال على ذلك )

3/ الخلافة والإمامة: إشكالية القراءة .

لعل جوهر الخلاف "السياسي العقائدي في الإسلام يكمن في هذه المعادلة: الإمامة الخلافة.
الأديبات الإسلامية في هذا الشأن تجمع على أن الخلاف السني الشيعي يكمن في الولاء .. والولاء هو الجوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم .. بل إنه أساس "الحاكمية". هذه الأخيرة التي كانت من جهة ثم الشيعة والخوارج من جهة ثانية وانتهاء بالصراع الخارجي الأموي في نهاية المطاف... وكل هذه الصراعات والنزاعات انبنت أساسا على مفهوم "الحاكمية".
فالحاكمية (لله أو للخلفية أو لجمهور الأمة أي الشورى) هي صلب وجوهر الخلاف للقراءة النصية والسيرتية للخلفاء والراشدين ومن بعدهم.
لم تكن الإمامة في الواقع معارضة للخلافة، غير أن الاستعمال "الكلي" والإديولوجي للمفهومين، حولها عن مسارهما الاشتقاقي. فالإمامة والخلافة يكادان يكونان مترادفين: خلافة رسول الله (من بعده).. والخلافة تفيد الإمامة أيضا .. معنى ذلك أن الخليفة هو الإمام ؟
غير أن الشرط الذي ارتبط لدى الشيعة مثلا هو شرط "الولاء" لآل البيت إضافة إلى شرط آخر يكاد يكون وجيها وهو" العصمة " للإمام (الخليفة). هذه المسألة نجدها مطابقة لمفهوم" الإمام العادل" أو "العدل" أو "الخليفة الراشد" (في الحكم الراشد)، وهنا تعود بنا المسألة إلى ما تحدثنا عنه سابقا في أن" الممارسة" للدين هي من "يحدد وجهة التدين". ومعنى هذا أن الحراك الاجتماعي (المتغير) هو الذي يحيي "الثابت" على التحول والتغير أيضا، مما يعني أن الثابت في الدين "نسبي" نوجزه في "الكتاب" و"السنة" (كتاب الله وعترة أهل بيتي.. (الحديث): نسبي لأن في هذا الكتاب" الذي هو القرآن الكريم ثابت كنص مقدس لا يمسه التغيير ولا التحوير اللفظي (إنا نزلنا الذكر وأنا له لحافظون .. (الآية). لكن كقراءة، هناك" المتغير في الثابت"، بمعنى أن القراءة والتأويل لا تفترض ثباتا مطلقا لمعنى النص، مما يوحي أن "الثابت"، ثابت نسبي والمطلق، مطلق نسبي، يعتمد على المعاني الجديدة والدلالات الجديدة التي يفترض التطور الاجتماعي والعلمي(شقيه المادي والروحي) أن يكتشفه ويبرزه.
من هذا المنطلق نقول، أن مسألة "الثابت" والمتحول في الإسلام، قابلة للنقاش، بل هي أصل النقاش حول موضوع الإمامة والخلافة وحول "المقدس المدنس" وحول السلطة والدين وحول القرآن والسلطان كما سمته الأدبيات السياسية الإسلامية.
نحن أمام إشكالية منهج لقراءة النص المقدس الذي هو القرآن الكريم، كما نحن أمام إشكال منهجي تاريخي لقراءة "السيرة النبوية" والأحاديث الشريفة... على الرغم من العبقرية الكبيرة والجهد "العلمي المنهجي" الذي اعتمده الرواة في جمع الأحاديث والتفصيل الدقيق في التمييز بين الأحاديث بين ضعيف وصحيح ومرسل وموقوف وموضوع عمل في غاية الدقة، إلا أن ها لا يبرر وجود فجوات من خلال قراءتها السوسيولوجية للتاريخ الإسلامي، لاسيما خلال الحقبتين، الأموية العباسية التي ظهر فيها الوضع بشكل ممنهج في الدواوين الأموية وفي الطرف الآخر من المعادلة أيضاـ ولو أننا لا نملك اليوم القدرة على الفصل العلمي الدقيق في هذه المسألة من خلال "ميكروـ سوسيولوجيا" أو "أنثروبولوجيا التدوين"لأننا لا نملك المفاتح المنهجية لذلك، لكن القراءة السوسيوـ أنثروبولوجية للتاريخ الإسلامي خلال هذه الفترة، تفيد بهذا الاحتمال وبوجود مثل هذه الفرضيات.
نحن إذن أمام إشكالية منهجية: اعتماد المصادر التاريخية الإسلامية الكثيرة والكثيرة جدا ، المتعارضة أحيانا، لاسيما المصادر الشيعية، بالمقارنة مع المصادر السنية وهذا في تحديد المفاهيم وتحديد المبنى والمعنى لكل مفهوم بما في ذلك مفهومي الإمامة والخلافة. وحتى وإن افترضنا إمكانية ذلك، يبقى الإشكال مطروحا، لأننا نتعامل مع مفاهيم متحركة غير ثابتة، تعتمد أساسا على القراءة الذاتية المذهبية وأحيانا على الذاتية – الفردية المتمثلة في "المراجع" وأن كانت عادة، إن لم نقل – دوما – ما تشير إلى أن المرجع واحد..
الإسلام إذن هو حراك اجتماعي. هذا الحراك يفترض حراكا مفاهيميا يواكبه ويساره، و خلال هذا الحراك تبرز إلى الوجود "الحركات" الجانبية – التي نسميها هامشية أو خارجية أو معارضة بالمفهوم الحديث ـ والذي تريد أن تمتلك أدوات الانتفاع من هذا الحراك لاعتبارات "وظيفية" أساسا: ظاهرها نصرة المذهب أو الدين ككل، وباطنها هوياتيه مطلبية أي طبقية ...
إننا في الواقع أمام تحد صعب لحل معضلة: "الديني – الاجتماعي" في حل مشكلة "الديني – السياسي " ، لأن "الاجتماعي"، المرتبط بالممارسة هو من يضع "الديني" ومن يوجهه، ليأتي السياسي ليستغله لخدمة مصلحة أو فئة أو قضية أو أمة أو حالة ما ..
وهنا يدخل الدين في أتون الهوية الفردية المبينة على الآنية والمركزية التي منها تنطلق كل المصالح وكل القراءات وكل التآويل.

درة عب اليبوم القدرة عبلى بلى وفي الطرف اللآخر من المعدلة خ الإسلامي، لاشيء خلال القضيتين الأموية العباسية ةالتي ظهر فيها





25.4.06



جوهرة المسائل في "خاتمة كتاب الرسائل لأهل الوسائل"
قراءة في مفهوم"أبناء القلب"وأفضليتهم على"أبناء الصلب" لدى الشيخ سيدي عدة بن غلام الله


د. عمار يزلي
قسم علم الاجتماع
جامعة وهران



لعل أهم شيئ يتعلق به الإنسان "هذا الكائن الاجتماعي" ـ بلغة فلسفة الاجتماع ـ هو "النسب" و "الانتماء" (Le lien et l’appartenance)، في تحديد هويته الفردية والجماعية. وعلى هذا الأساس، تشكلت الروابط والأنسجة الاجتماعية:أسرية كانت أم عرقية قبلية. وعلى هذا الأساس أيضا بنى الفرد كيانه الاجتماعي:الأسرة، العشيرة والسلالة قبل أن يعطيها في كثير من الأحايين تلك القداسة المشار إليها في القرآن الكريم:" ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر.."(التكاثر/1/2)، الآية التي وردت في حق تفاخر بني سهم وبني عبد مناف أيهم أكثر عددا
[1]، وأحيانا أكثر تطرفا ـ حتى لا نقول " أكثر سذاجة" ـحين تمثلت الكثير من السلالات لجد أول في شكل حيوان أو نبات أو جماد، وهو ما ننعته بالفكر الطوطمي..
اهتمام الإنسان بالنسب، مرتبط أيضا بمفهوم "الحسب"، أي: المكانة الاجتماعية التي عادة ما تكون مادية، حتى أن النسب لم يعد ينفصل عن مفهوم الحسب. يتراءى لنا ذلك في محاولة ربط علاقة قرابة جديدة عن طريق المصاهرة عندما نتحدث عن "بنت الحسب والنسب".
النسب والانتساب، مفهومان مختلفان بحكم أن الانتساب يعني دلالة فعل الارتباط الفعلي أو المفتعل. وهذا معناه أن هناك "المنتسب" أو اللصيق (المسمى أيضا في العربية :اللزيق") إلى النسب دون أن يعني ذلك أن ذلك نسبه الفعلي. هذا ما نجده متداولا بكثير من الإصرار أحيانا في نزعة الارتباط بنسب معين (النسب الشريف أساسا)،في المدونات التاريخية والأدبية لبيوتات أو لسلاطين وأمراء عربا وبرابرة وأعاجم. نذكر من بينهم على سبيل الحصر المهدي بن تومرت وعبد المؤمن بن علي الذين اجتهدوا في تدوين أسمائهم ضمن الشجرة الشريفة لآل البيت.
النسب الحقيقي لدى الشيخ سيدي عدة، هو النسب الروحي .. نسب القلب..أما النسب الدموي المشار إليه "بالنسب الطيني"، أي المادي الترابي: ("..ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين".. المؤمنون/ 12..."كلكم من آدم وآدم من تراب" ..الحديث..)،فهو نسب أرضي .. عرضي..زائل..وغير دقيق وغير تام..
1/لا نسب إلا نسب القلب
الشيخ سيدي عدة، مثله مثل باقي أهل السلسة العرفانية، إنما يتحدث عن النسب من منظور باطني. فهو بهذه المعادلة يلتقي مع المعادلة الربانية في وصف النسب الطيني لدى ابن سيدنا نوح عليه السلام بأنه "عمل غير صالح":".. ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وأن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعضك أن تكون من الجاهلين"..(هود/ 44/45)، مما يفيد أن النسب الحقيقي هو النسب الروحي.. "نسب القلب" الذي ينتج عن زواج أثيري روحي متعال بين قلب المريد وقلب الشيخ فقلوب المشايخ في السلسة الصفوة.وعليه، فمسألة احترام المريد للشيخ وتقديره والذوبان في محبته والإخلاص له من المسائل المحسومة في الفكر التصوفي بشكل عام، على أنه لا يمكن أن تتصوف بدون شيخ مرشد
[2]. الشيخ سيدي عدة، كثيرا ما نجده يؤسس لهذا الجانب الأساسي في نسج الرابطة القلبية بين أتباع الطريقة الواحدة أو ما بين الطرق المختلفة التي كلها تمثل الطريق إلى الله.
الرضاعة المادية، معروف عنها أنها من المسائل الأساسية في ربط تلك العلاقة النموذجية في المحبة: الأمومة. فالرضاعة مع التربية تتمم فعل الولادة.. والولادة بدون رضاعة وبدون تربية تفقد الوالدة أمومتها فيما تحتفظ فقط بالجانب الوضعي :الولادة. كما أن الوالد قد يفقد خاصية الأبوة إذا ما فقد العلاقة مع مولوده التي هي علاقة التربية، وعلى هذا الأساس ينبغي أن نفرق بين الأم والوالدة من جهة والوالد والأب من جهة ثانية!
[3]
الرضاعة لدى الشيخ سيدي عدة بن غلام الله، رضاعة نورانية متعالية لطيفة نقية من شوائب الرضاعة المادية والمورثات البيولوجية والحسية. نقرأ عنده في هذا الصدد ما يلي:"..فهم (المشايخ أجمعين) رضي الله عنهم كالأشبال عند أمهم، كل واحد يرضع ما قدر له، ولم ينقص رضيع لأخيه، فيمد الرب الكريم أبا القلب بمادته النورانية حتى ولو كانت آلاف الألوف من أهل البدايات يتكلم لهم بعلم البدايات ، ولو كانت آلاف الألوف من أهل النهايات يتكلم لهم بذلك ولا يكل"[4].
يركز الشيخ سيدي عدة،على النسب القلبي باعتباره أساس استمرار المحبة الروحية والتفاني فيها، ذلك أنه يرى أن المحبة المطلقة بين الشيخ والمريد هي ولادة ثانية، بل الولادة الحقيقة والأولى، لأنها ناتجة عن فتح القلب وليس عن عمل الصلب..
الحب والمحبة القرابية الدموية (الطينية)، تبقى محبة مبنية على المصلحة وإن داخلها الجانب العاطفي الحسي إلا أن المادية تطغى على العاطفة المطلقة إذا لم يكن الحب حبا روحيا أساسه النسب القلبي..المحبة الدموية الطينية محبة، لكنها لا ترقى إلى حدود المحبة الطلقة التي نجدها في الفلسفة اليونانية كثيرا ما يشار إليها بالحب الأفلاطوني .. أي الحب المثالي..غير المادي المتعالي عن المصلحة المادية الآنية أو الظرفية..
المحبة الطينية لا يمكنها أن تتجرد من الملموس إلى المحسوس وتتلاشى في هذا الأخير لتذوب فيه وتمحي آثار الملموس محوا تاما. فحتى محبة الوالدين مرتبطة بالمصلحة:الطفل يبكي على أمه الغائبة أو المتوفاة لأنه بحاجة إليها..والطفل عندما يصير رجلا مستقلا..كثيرا ما تقل حرارة رابطة الأم لأنه لم يعد يشعر بمصلحة تجاهها..!على عكس ذلك، تبقى المحبة الروحية محبة مطلقة لأنه لا مصلحة ولا طائل ولا نية ولا قصد من ورائها ولا رجاء..ولا خشية..وهو الحب عند رابعة العدوية في وصفها لطبيعة الحب الإلهي!
2/ صلة القلب ولقب الصلة
"ابن القلب"،يربطه رابط القلب بأبيه.. والقلب هنا يقصد به تلك المضغة التي إذا صلحت صلح الجسم كله..والتي لا تتوقف لحظة عن النبض دلالة على الحياة وعلى الحركة..لهذا سميت قلبا، فقلب الشيء في اللغة العربية هو أهم شيء في الشيء!. لهذا ترى الشيخ سيدي عدة يستعمل هذه المعادلة التقريبية لإفهام العامة فهم الخاصة.
الشيخ سيدي عدة، عندما يتحدث عن هذه العلاقة بين القلب والروح..يحيلنا إلى إبراز ما أبرزه علماء المادة أنفسهم عندما ربطوا القلب بالدماغ..وبالإشعاعات التي يصدرها كل من القلب والدماغ.
فلقد أثبت العلماء أن منطقة القلب المسماة "Heart chakra "، أي "الهالة القلبية"تولد 12 إشعاعا بلون أصفر ذهبي متألق،حيث تأتي قوة التألق الهالية النورانية هذه مباشرة بعد هالة المركز الإكليلي أو التاجي "Crown chakra" الموجودة في قمة الرأس، حيث تتألق بشدة ، إذ يبلغ عدد إشعاعاتها 960 إشعاعا يغلب عليها اللون البنفسجي، وفي مركزه 12 إشعاعا تتألق بلون ذهبي خاطف، وقد رسمه الأقدمون على شكل هالة ذهبية مشرقة تحيط برؤوس القديسين. هذا المركز وثيق الصلة بالغدة الصنوبرية وهي نقطة الاتصال بين الروح والجسد ..
[5]
فحديث الشيخ سيدي عدة عن أبناء القلب،مرتبط بحديثه عن ارتحال الشهوات الحسية والمعنوية عن النفس. فهو يربط فتح القلب ببنوة القلب..وفتح القلب لاستقبال "الوهبية" شرطه تطهير النفس وترقيتها من أدناها:النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة إلى النفس المطمئنة..وشرط ذلك المحبة والذوبان في الواحد عن طريق السلسة الطاهرة من نسب القلب.
لهذا، فإن بنوة القلب وأفضليته عن بنوة الصلب، أراها عنصرا محوريا في فكر الشيخ سيدي عدة بن غلام الله الفكرية والتصوفية، بل وعنصرا مؤسسا لكل العناصر التابعة أو الفلكية الأخرى.
3/ نسب البشرية وحسب الروحانية
فالتوفيق لتحصيل الوهبة الإلهية،والتي هي في الإنسان ومنه وله بتعبير سيدي عدة،قوامها تحرر الروح من سجن الجسد وقفص المادة المعيق لحركية التجريد والانطلاقة ورؤية ما وراء المرآة بعد "حكها" ـ كما يقول بعض شيوخ الصوفية رضوان الله عليهم ـ هذا التحرر،الذي بإمكانه وحده فهم معنى علاقة الشريعة بالحقيقة وفهم أسس العلوم اللدنية وعلاقته بالعلوم الكسبية.
في هذا السياق،يعترف الشيخ سيدي عدة بن غلام الله بأن المادية الفزيولوجية غالبة على الطبع البشري و القاعدة هي التوفيق بين الروحانية والمادية وليس تغليب إحداهما على الأخرى.فهو يقول في هذا الصدد:"..اعلم أن البشرية غالبة على أي حال وأن الوقت وقتها والبلاد وبلادها (يربط الوقت بالبلاد أي الزمن بالمكان ويقصد به زمن الاحتلال الفرنسي للجزائر باعتباره كان قاضيا ومشرفا على جمع الزكاة لدى الأمير عبد القادر)..وصاحب الوقت غائب وصاحب البلاد مسموع له وإن كان في غاية البغض.. قلّ من يسمع له وإن كان في غاية الحب كما هو مشهود مرئي إلا من كانت القدرة حاكمة له بملك أهل البلاد وسبقت سعادته فيسري كالماء بين الأغصان شيئا فشيئا وهو يزيد قوة وغيره يزيد ضعفا حتى يفنى حبه منهم وينطبع حبه في غيرهم يجدهم طوع يده. فهذا معنى البشرية مع الروحانية"
[6].
أبناء القلب هنا، هم أتباع الطريقة التي تربطهم صلة المودة وصلة الروح، أو ما نعبر عنها بالتعبير الأنثروبولوجي "سلطة المقدس"، ذلك أن "سلطة" الشيخ على أتباعه ومريديه(ونستعمل هنا عبارة "سلطة" بصياغة مجازية ذات دلالة تختلف عن مفهوم "السلطة" الوضعي)،هي "سلطة" أساسها الإخلاص في المحبة والتفاني في المحبوب:محبة بذاتها لذاتها في ذاتها، محبة خالصة لا رجاء فيها ولا خوف، عكسها في "محبة" السلطان، التي أساسها الخوف والرجاء والخضوع والانصياع وأحيانا التزلف والتملق والمواراة. وعليه، فإن بنوة القلب هي صادق النسب وحقيقة الحسب وهي الأصل وهي الصلة الفصل، بينما لا تمثل بنوة الصلب سوى مجرد بنوة بقوة الفعل أي تحصيل حاصل شكلي لصلة شكلية.. وهذا ما حاول الشيخ سيدي عدة التركيز عليه، بل والتأسيس عليه لفكرة المحبة المطلقة والنسب الشريف..فالشريف بصالح الأعمال لا بالنسب الطيني أو الانتساب إليه دمويا ومناصبته العداء قولا وعملا..
هكذا كنا كثيرا ما نجد شيوخ التصوف في حالات خاصة لا يفضلون رؤية أحد من غير أبناء القلب، والأكثر قربا منهم، مفضلينهم حتى على أبناء الصلب..باعتبار أن الصلة بينهم هي صلة أرضية ترابية طينية بينما الصلة بينهم وبين ابن القلب صلة روحية متعالية.
4/ القرابة النورانية..وعصبية الأنانية
هكذا نجد، نفس التوجه لدى الأنبياء والرسل عندما يختصون بصاحب مقرب ، أو تسميه الطائفة الشيعية بالوصي، قد يكون من قرابة طينية ـ روحية وقد يكون من قرابة روحية فقط.
النسب الروحي، لدى الأنبياء والرسل وأولياء الله الصالحين،ومنهم الشيخ سيدي عدة، هو من صميم الحقيقة التي لا تنفصل عن الشريعة، ومن صميم علم الباطن الذي لا ينفصل عن علم الظاهر .في هذا السياق نجد أبو القاسم القشيري يقول:" الشريعة من غير الحقيقة عاطلة والحقيقة من غير شريعة باطلة"، بينما نجد الإمام مالك يقول في نفس التوجه:"من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق"
[7].
هكذا كان صحابة النبي (ص) وعلى رأسهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من خلال الأحاديث الكثيرة المروية عنه صلى الله عليه وسلم (حديث يوم الدار، حديث المنزلة،حديث غدير خم)، وهكذا كان حواريو النبي عيسى عليه السلام الإحدى عشر وعلى رأسهم بولس الرسول حسب الأناجيل الأربعة، وهكذا كان الأحبار الأوائل عند سيدنا موسى وعلى رأسهم "ابن أمه".. هارون، قبل أن يتمدى الأتباع..إلا ما رحم ربي..
هكذا، نجد المسيح عليه السلام، وهو النبي الذي لا أب طيني له..المتعالي في الروحانية، نجده في الأناجيل ، يرد على أتباعه عندما جاءت أمه واخوته لرؤيته:"هؤلاء هم أمي واخوتي..وأشار بيده إلى تلامذته" حسب إنجيلي لوقا ومرقس.
النسب الروحي، ليست مسألة جديدة لدى أهل التصوف والعرفانيين بشكل عام، غير أن الصيغة التي اعتمدها الشيخ سيدي عدة والمعادلة التفضيلية المؤسسة على البينة، واعتمادها حجرة الزاوية في أية طريقة إلى الله،هي التي دفعتنا إلى التركيز على هذه النقطة بالذات وتتبع أصولها وفصولها في جزء من مكونات الفكر الصوفي بشكل عام.
هكذا أراد الشيخ سيدي عدة بن غلام الله لنا ولمريديه وأتباع الطريقة البوعبدلية.. نسبة إلى هذا "العبيد" كما كان يلقب نفسه تأدبا مع الله وتحقيرا للنفس وتواضعا أمام الله وأمام المشايخ أهل الوسيلة.. هكذا أراد أن يوضح لنا معنى الرابطة الروحية وعلاقة القرابة الحقيقة التي تسمو على كل أشكال القرابات الفزيولوجية التي قسمت الناس إلى أسر وبيوتات وعشائر وقبائل وسلالات..متصارعة متحاربة أحيانا باسم الرابطة الدموية وباسم النسب .. التي بنى عليها بان خلدون كل نظريته في الحراك الاجتماعي ..باختصار..عصبية النسب الطيني..عصبية أبناء الصلب..
ـــــــــــــ







المراجع:
1/ القرآن الكريم.
2/ الإنجيل (العهد الجديد).
3/سيدي عدة بن غلام الله: خاتمة كتاب الرسائل لأهل الوسائل .منشور أشغال الملتقى الأول حول الشيخ سيدي عدة بن غلام الله وآثاره في الفكر والتصوف.طبع جمعية افكر والثقافة بتيارت. 1999.
4/ بن عباس: تنوير المقياس في تفسير بن عباس. المكتبة التجارية الكبرى / مصر. 1971,
5/ صلاح مؤيد:الطرق الصوفية والزوايا بالجزائر: تاريخها ونشاطها.دار البراق/ لبنان. ج1. / 2002.
6/ د. محمد شحرور:الإسلام والإيمان.منظومة القيم.دار الهلال . دمشق.1996. 7/ د. رؤوف عبيد: الإنسان روح لا جسد.ج/2. ط2/ دار الفكر العربي. القاهرة.1966.
[1] يذكر بن عباس أن بني سهم قالوا:"أهلكنا البغي في الجاهلية فعدوا أحياءنا وأحياءكم وأمواتنا وأمواتكم، ففعلوا فكثرهم بنو سهم
ينظر: تنوير القياس من تفسير بن عباس:المكتبة التجارية الكبرى . مصر. 1960.ص: 390
[2] هناك مثل شعبي يقول:" اللي در شيخه مزود غير يروح يرقد" أي أنه من اختار أن يكون شيخه مزودا أي كيسا.. فمن الأحسن أن يذهب لينام أي لا داعي لكي يفكر أن يكون متصوفا!
[3] لمزيد من التفصيل، يمكن العودة إلى : د. محمد شحرور:الإسلام والإيمان: منظومة القيم. دار الأهالي . دمشق. 1996, ص:267
[4] أشغال الملتقى الأول حول الشيخ سيدي عدة بن غلام الله وآثاره في الفكر والتصوف: جمعية الفكر والثقافة. تيارت.1999. ص: 120
[5] د. رؤوف عبيد: الإنسان روح لا جسد. ج1/ط2/ دار الفكر العربي/ القاهرة. 1966. ص: 455
[6] أشغال الملتقى حول الشيخ سيدي عدة بن غلام الله. سبق ذكره. ص:148
[7] صلاح مؤيد:الطرق الصوفية والزوايا بالجزائر: تاريخها ونشاطها. دار البراق/ لبنان. ج1,2002.ص:11