27.5.14



أنت تغلط ونحن نصحح



 حملت نفسي وقلت: لن أكون من المقاطعين حتى ولو قطعوا صوتي إربا إربا. فأنا مواطن، ولي حق المواطنة والمشاركة في كل ما يتعلق بأمور الوطن: سأذهب للصندوق حتى ولو أتى الصندوق بغير ما تشتهيه سفني الجاثمة على الرصيف منذ سنوات طوال! لن أبقى بعد اليوم ملاحا بلا بحر ولا شراعا بلا سفينة، سأذهب وأخوض بنفسي في منافسة الصندوق التي قد تكون هذه المرة نظيفة ونزيهة بوعد جديد من أعلى القمة. ورغم أني متشكك، إلا أني أميل إلى الأمل في التصديق كون شكي ليس في محله وأن "بعض الظن إثم". فلقد طال عمر التعددية عندنا نسبيا، ونكون قد تعلمنا أن نحترم إرادة الشعب بعد أن نزعناها منه منذ استفتاء  جويلية 62، وباسمه لا باسم غيره!: باسم الشعب ننقلب علي الشعب ونسحب منه أصواته "لصالع" الشعب! حتى أني لم أعد أعرف من هو هذا الشعب الذي يريدونه والذين يتحدثون باسمه وبه! هذا الشعب لا يوجد إلا في أدمغة وألسنة من يتلهجون به! مع كل هذا، قلت أن "الخاوة" يكونون قد استوعبوا الدرس وصحا ضميرهم وأنهم قد عادوا إلى رشدهم بعد أن تفطنوا وتأكدوا بأن الشعب الذين كان يرون فيها "قاصرا"، قد هرم هو الآخر وصار يفهم أكثر منهم في السياسة وفي الكرة وفي الدين وفي الاقتصاد وفي الثقافة والعلم والتربية والتعليم.
بكرت صباحا، لكي أنتخب بلا انتظار طويل في الطابور، مع أني كنت أشك أن يكون هناك طوابير في الصباح الباكر (ولا في المساء!). الناس قد ملوا الانتخابات الموسمية الدورية التي لن تأني بجديد، ما دام أن الجديد مرسوم في الغرف المظلمة داخل الصالونات والاستوديوهات المضاءة!. بكرت أنا لوحدي، بعد أن قرر كل أفراد (وبقرات) عائلتي بمن فيهم زوجي عدم الذهاب إلى الصندوق، بحجة أنه لا فائدة من انتخاب شخص من الأشخاص المقترحين، ما دام أن الشخص المراد له أن يكون الفائز هو الرابح حتى ولو كان خاسرا! وأن النتيجة معروفة سلفا: الشخص هو نفسه عينه الذي هو سلفنا "الصالع". رأيي أنا كان مخالفا لرأى جماعة العائلة المنقسمة على نفسها بين أغلبية مقاطعة وجزء بسيط مؤيد للمرشح الأول والثاني، والبقية، لا صوت ولا رأي لهم.
لم أرغب أن منح صوتي لأي أحد، وعليه، كان علي أن أصوت ببطاقة بيضاء: المهم المشاركة حتى لا ينتخب في مكاني أحد! فقد سمعت أنه من لا يصوت، فسيصوتون بدله شاء من شاء وأبى من أبى.
لم يكن "الغاشي" كثيرين أمام مركز التصويت! فقد كان القائمون على القوائم القائمة القاعدة، أكثر من المصوتين! دخلت "في خاطري" بكل راحة واطمئنان وسكينة ووقار، وهدوء وراحة بال، مررت على القائم على فحص سجل المنتخبين في هذا المركز، بحثوا عن اسمي فوجدوه (الحمد لله لم يكن أحد قد صوت بدلا عني إلى حد الآن! فرحت لأني سبقتهم! فلقد كان الشك يراودني أن يسبقوني، خاصة وأني لم أنتخب منذ 20 سنة، وقد يكونون يعرفونني بأقدميتي في هذا المجال، فيصوتون بدلا عني مسبقا! الحمد لله، خاب ظني وباء بالفشل، وحمدت الله على أن ذلك لم يحصل. هذا الأمر زاد في قناعتي بأن الأمور تسير بخير وعلى خير وأن نسبة الشك في التلاعب والتزوير تنحصر وأن الشك قد بدأ يتبدد أمام أعيني وحمد لله من جديد!: الحمد لله الذي جعلنا نتعلم الديمقراطية في وقت قصير وجعلنا نهتدي إلى طريق الخير بدل التزوير ونعترف بصوت الشعب المضرور الضرير، ونغلب مصلحة الفقير على مصلحة جبهة التحرير. بعدها مررت على القائمة على قوائم المرشحين الستة، أخذت ستة قوائم وظرفا واحدا، ولم يقم أحد بتوجيهي أو أخفاء بطاقة أي من المرشحين الستة. فقد كان البعض يشتكي من عدم أو قلة بعض أوراق مرشحي المعارضة، مما يجعل المواطن عرضة للتلبيس والتدليس وأخذ ما كان موجودا ومعروضا على الطاولة، تماما مثل السلعة وعقلية "أدي وإلا خلي" والمثل القائل "الجود من الموجود". لكني لاحظت أن الأمور تسير بشكل طبيعي وعفوي، لا همس ولا لمس ولا غمز ولا لمز، بحضور ممثلي جميع المرشحين المراقبين لسير العملية. دخلت المعزل، فلم أجد في الأسفل أوراق المرشحين المعارضين مرمية في الأسفل كما كان يفعل في السابق، حيت كانوا يرمون أوراق غير المرغوب فيهم في أسفل أرضية المعزل لينبهوا الناخب إلى أن الناس لم تنتخب هؤلاء وعليك أن تفعل مثلهم حتى لا تخرج عن القاعدة! وبما أن كثيرا من الناس يتأثر بما يرى وذي نفسية سلوكية انطباعية أو لا رأي له ، فيضطر إلى التقليد، والتأثر بالمحيط فيرمي ما رماه الآخرون (مع أن المشرفين على المركز يكونون أصلا هم من رموا بطاقات المرشحين لإيهام وتغليط الناخب). لم أجد صورا ولا بطاقات مرمية، فاخترت أن أضع البطاقات الستة كلها في جيبي وأن أخرج بظرف فارغ أضعه في الصندوق كعربون مني كمواطن رافض للمقاطعة أن أوصل رسالة "فارغة" مفادها أنه لا مرشح واحد ملأ أعيني لأنكم لم تفتحوا العمل السياسية الديمقراطي وعلبتم الديمقراطية على مزاجكم حتى لا يخرج إلى العلن إلا ضعفاء الأنفس والأرانب أو الذين لا حظوظ لهم بعد أن يتم استبعاد المرشحين الأكثر حظا وأكثر مصداقية والتي غابت وغيبت من المسار منذ 20 سنة. هذه كانت رسالتي لهم. خرجت ووضعت الظرف فارغا في الصندوق وخرجت مسلما على الجميع لأنه لم يكن في المركز ساعتها غيري!
لكن ما كدت أخرج من المكتب، حتى لحقني أحدهم يهرول شبه غاضب: واش درت سي محمد؟ قلت له: والو..ما نيش عارف! قال لي: راك درت غلطة قد وجهك! نسيت تضع بطاقة الرئيس المرشح في البطاقة، ورانا صححنا الخطأ نتاعك ودرنا في الظرف ورقة الرئيس المرشح.. تقدر تمشي وما تعاودش تدير هذا العفسة... هيا تربح...
وأفيق وأنا أردد أغنية الشيخ العنقا: الحمد لله ما بقاش الاستعمار في بلادنا..

ليست هناك تعليقات: